هذا هو معنى الحديث ولا يصح أن تُفَسَّر التذكية بأنها ما تزيل عن النَّجِس نجاسته ليصلح للأكل. فلما أخطأوا في تفسير كلمة الذكاة هنا، فقد أخطأوا في الحكم، فتاهوا في موضوع مأكول اللحم وغير المأكول.
أما ما رُوي عن الإمام أحمد من قول فهو وجه آخر من وجوه التأويل البعيد، إذ أننا لم نسمع أن هناك نجاسة حادثة ونجاسة قديمة يختلف حكماهما، وإنما النجاسة نجاسة، قديمةً كانت أو حادثةً لا فرق بينهما، ولم يرد هذا التفريق في نصٍّ من القرآن أو الحديث، وما دعاهم إلى هذا القول إلا ليستطيعوا تفسير كلمة التطهير أو الذكاة تفسيراً ينسجم مع سابق رأيهم، وهو أن مأكول اللحم طاهر، وغير المأكول نجس، وهذا غير صحيح. وليته رحمه الله توقف عند أول عبارته وعند آخرها، واستغنى عن الكلام المتوسط بينهما إذن لصح قوله، فقوله
«أيُّما إِهاب» عام، ولا يوجد نصٌّ يخصِّص، وهذا ما قاله في أول عبارته وآخرها، والتخصيص الذي أتى به لم يسنده بدليل.
وقد فطن ابن قدامة لهذا المعنى، إلا أنه تلطُّفاً مع قول إمامه أحمد بن حنبل صاغه بصيغة الاحتمال، فقال (وحديثهم يحتمل أنه أراد بالذكاة التطييب من قولهم رائحة ذكية أي طيبة، وهذا يطيب الجميع، ويدل على هذا أنه أضاف الذكاة إلى الجلد خاصة، والذي يختص به الجلد هو تطييبه وطهارته، أما الذكاة التي هي الذبح فلا تضاف إلا إلى الحيوان كله، ويحتمل أنه أراد بالذكاة الطهارة فسمى الطهارة ذكاة، فيكون اللفظ عاماً في كل جلد فيتناول ما اختلفنا فيه) .
محصِّلة القول هي أن الرسول عليه الصلاة والسلام عنى بالذكاة الذكاة اللغوية، أي مجرَّد التطهير والتطييب دون الذكاة الشرعية للحيوانات، فيكون التشبيه ناقصاً.