أما البند (هـ) وهو قوله تعالى {قُلْ يُحْيِيها الذي أَنشأَها} فقد استدلوا به على أن العظام تدخلها الحياة وتحل فيها، وأن العظم يحيا ويموت بحياة الحيوان وموته، وبالتالي فإنَّ عظم الحيوان الميت ميت، فيدخل في الميتة ويأخذ حكمها من حيث النجاسة والتحريم. هكذا حمَّلوا الآية، وهكذا استدلوا بها على مذهبهم. والذي دفعهم إلى هذا الغوص هو ما انتهى إليه اجتهاد الإمامين الثوري وأبي حنيفة من القول بطهارة عظام الميتة، لأن الموت لا يحل فيها فلا تنجس به كالشعر، ولأن علة التنجيس في اللحم والجلد اتصال الدماء والرطوبات به، ولا يوجد ذلك في العظام، فردُّوا عليهما بالقول إن هذا القول منهما خطأ، والدليل على ذلك قوله تعالى {قال مَنْ يُحْيِي العِظامَ وهِي رَمِيمٌ ... } وقالوا إن ما يحيا فهو يموت، ولأن دليل الحياة الإحساس والألم، والألم في العظم أشد من الألم في اللحم والجلد، والضِّرس يألم ويُحس ببرد الماء وحرارته، وما تحلُّ فيه الحياة يحل فيه الموت إذ الموت مفارقة الحياة، وما يَحل فيه الموت ينجس به كاللحم ... إلخ. وهكذا لما جاء أبو حنيفة رحمه الله بهذا التعليل أخطأ الآخرون في الرد عليه، وخرج الاثنان عن فقه حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي بيَّن العلَّة في ذلك، وهي ما يؤكل من الحيوان دون ما لا يؤكل، دون نظرٍ في الحياة والممات والإحساس والألم والحلول وغيره.
أما الآية الكريمة في البند (و){حُرِّمَتْ عليكُم المَيتةُ} والحديث الأخير في البند (ز)«ما قُطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة» فهذه نصوص عامة تُستنبط منها أحكام عامة صحيحة لا يختلف عليها أحد، ولكن الأدلة والشواهد التي اعتمدنا عليها هي أدلة تخصِّص هذا العموم، والخاص يُعمل به ويبقى العام فيما سواه. أما الاستشهاد على العموم بأدلة تفيد العموم فإنه لا يفيدهم في الرد على أدلة الخصوص وأحكام التخصيص، ولا نطيل أكثر من ذلك.