ولا يقال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يعلم بوجود المنيِّ في ثوبه. لا يقال ذلك، لأن الذي يقول هذا القول يجب أن يُثْبته أولاً وهو لا يملك إثباتاً، وثانياً إن الله سبحانه قد عصمه من الصلاة وهو يحمل النَّجاسة كما حصل معه حين نزل الوحي يخبره أن نعله تحمل نجاسة، فنزعها وهو في الصلاة، فالحديث قوي في الاحتجاج على طهارة المني. فإذا أُضيف إلى هذا الحديثِ الحديثُ الخامس المروي من طريق ابن عباس رضي الله عنه حصل اطمئنان إلى صحة القول بطهارة المنيِّ، فالحديث يقول «إنما هو بمنزلة المُخاط والبُزاق» وهو صريح في طهارة المنيِّ، لأن المُخاط والبُزاق طاهران بلا خلاف أعلمه.
وقد يقال إن البيهقي قد روى الحديث موقوفاً على ابن عباس، وأنه قال (الموقوف هو الصحيح) والحديث الموقوف هو قول صحابي وهو ليس حُجة، وأن الدارقطني قد انفرد برفعه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام. فنقول: إن الدارقطني لم ينفرد برفع الحديث بل شاركه في ذلك الطَّحاوي والبيهقي أيضاً. إنَّ الدارقطني بعد أن ساق الحديث قال (لم يرفعه غير إسحق الأزرق عن شريك) فإذا علمنا أن إسحق إمامٌ مُخرَّج عنه في الصحيحين كما يقول ابن تيمية وابن الجوزي، فذلك يعني أن انفراده بالرفع لا يضرُّ، وأن رفع الحديث زيادة، والزيادة يتعين المصير إليها كما هو معلوم. فالحديث صحيح ومرفوع، وهو كاف في ترجيح حُجَّة من يقول بطهارة المنيِّ. وبذلك يظهر وجه الحق في هذه المسألة، وتُحمل أحاديث الغَسل والفرك والسَّلت وغيرها على إزالة الوسخ والتنظيف المندوب فحسب.