أما الغسل فلا خلاف في أنه يُزيل المنيَّ الرطب واليابس، وأما السَّلْت فقد يزيل وقد لا يزيل، ولْنقل بغلبة الظَّنِّ إنه يُزيل المنيَّ الرطب واليابس. إذن الغَسل والسَّلت إنما قُصد منهما إزالة المنيِّ، وهذا يدل في ذاته وحده على نجاسة المنيِّ، وهذا هو دليل من قالوا بنجاسة المنيِّ، وهو دليل وجيه لو كان وحده أي لو اقتصرت النصوص عليهما فحسب، ولكن ورد الفرك والحكُّ والحتُّ للمنيِّ اليابس، والمعروف أن المنيَّ اليابس يُمسِك بالثوب ويُصَلِّبه ويُقسِّيه فضلاً عن كونه يعطي المكان اصفراراً خفيفاً، وحيث أن الفرك - وهو أقوى في الإزالة من الحك والحتِّ - لا يزيل المنيَّ ولا يقلعه، وإنما يخفِّفه فحسب، فذلك يدل على أن الأمر بهذه الأفعال الثلاثة إنما قُصد منه التخفيف، وهذا ما استدلَّ به من قالوا بطهارة المنيِّ، فقد قالوا: إن الفرك لا يزيل المنيَّ، وذلك يدل على أن الإزالة غير مطلوبة، وبالتالي فالمنيُّ طاهر، وحملوا الأمر بالفرك على الاستحباب والنظافة.
ولكن المُنْصِفَ لا تكفيه هذه الحجة للقول بطهارة المنيِّ، إذ تقابلها حجة أقوى هي ما ورد في الأحاديث من فعل الغَسل، والغَسل يزيل المنيَّ تماماً، وهذا دليل من قالوا بنجاسة المنيِّ وحملوا الفرك على عدم التشديد كعدم التشديد في غَسل الثوب من المذي مع أن المذي نجس. ولكن الموضوع لم ينته عند هذا المدى، فالحديث السادس يقول «أنها كانت تحتُّ المنيَّ من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي» ورواية ابن حِبَّان «لقد رأيتُني أفرك المنيَّ من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فيه» والحديث صحيح وهو يحسم الخلاف، لأنه يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد صلى وفي ثوبه منيٌّ، فلو كان المنيُّ نجساً لما ابتدأ الصلاة به، وهذا دليل قوي على طهارة المني.