وقد فهمت طائفة من الفقهاء من هذه الأحاديث أن المنيَّ نجس، وهؤلاء هم: أبو حنيفة ومالك والليث والأوزاعي والثوري. وذهب إلى طهارته الشافعي وأحمد وداود وأبو ثور وسعيد بن المسيِّب، ومن الصحابة علي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وابن عباس فيما رُوي عنهم.
والحق أن هذه المسألة شائكة ودقيقة، ذلك أن مجمل الأحاديث ورد فيها الغَسل والحتُّ والفَرك والسَّلت والمسح، ولكن المتفحِّص والمدقِّق يكتشف أشياء تُنير سبيل البحث، فالحديث الأول بروايتيه فيه أن عائشة كانت تفرُك المنيَّ وتحتُّه، دون بيان إن كان المنيُّ رطباً أو يابساً، والحديث الثاني بروايتيه فيه أن عائشة كانت تحُكُّ المنيَّ وهو يابس، وأنها كانت تفْرُكه وهو يابس وأنها قد خطَّأت عملية الغَسل، ولكنها في الحديث الثالث قامت بعملية الغَسل، دون أن تبين إن كان المنيُّ رطباً أو يابساً. أما الحديث الرابع ففيه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قام بنفسه بعملية السَّلت وبعملية الحتِّ للمنيِّ اليابس. وأما في الحديث السادس، فقد ورد فيه الحتُّ في رواية ابن خُزَيمة، والفرك في رواية ابن حِبَّان، دون بيان إن كان المنيُّ رطباً أو يابساً. إذن قد ورد الغَسل والفرك والحكُّ والحتُّ والسَّلت حيناً مقيدةً بالمنيِّ اليابس وحيناً آخر مطلقةً غير مقيدة.