إن الماء إذا بلغ قُلَّتين فأكثر وخالطته نجاسة يسيرة فلم تغيِّر وصفه ولم تسلبه اسمه بقي طَهوراً، وإذا كثرت النجاسة بحيث سلبته اسمه وغيَّرت وصفه صار نجساً، وهذا الأخير واضح فيه خروجه من أقسام المياه، وأنه بالتالي لا يصح إدراجه في أقسام المياه، لأنه خرج عن كونه ماء، فيكون مثل الماء الذي خالطته أشياء طاهرة فغيَّرت أوصافه وسلبته اسمه، والذي أخرجناه من قبلُ من أقسام المياه. وما قلتُه عن هذا الماء أقوله عن الماء الذي دون القُلَّتين وخالطته نجاسة فغيَّرت وصفه وسلبته اسمه، فإنه يخرج هو الآخر عن كونه ماء، وبالتالي لا يصح إِدراجه في أقسام المياه.
أما الماء النجس المتبقي والذي يُدْرَج في أقسام المياه فهو ما كان دون قُلَّتين وخالطته نجاسة يسيرة لم تغيِّر وصفه ولم تسلبه اسمه، فهذا يُدرج في أقسام المياه، وهذا الماء هو المختَلَف فيه بين الفريقين: فريق يقولون بنجاسته، والآخرون يقولون بطُهوريته.
وبالنظر في أدلة الفريقين يتبين أن الفريق الأول أخذوا بعمومات الأدلة، بينما استشهد الفريق الثاني بالأدلة المخصِّصة، ولذا بقي الخلاف بينهما، وكان يمكن لهذا الخلاف أن ينتهي لو وافق الفريق الأول الفريق الثاني على أدلة التخصيص هذه، ولكنهم رفضوا منها ما رفضوا وتأوَّلوا منها ما تأوَّلوا، ولهذا السبب استمر الخلاف ولم ينته. ونحن سنعمل على استعراض هذه الأحاديث من حيث السند والمتن، ثم ننظر في دلالاتها منطوقاً ومفهوماً كي نصل في هذه المسألة إلى الرأي الراجح بإذن الله.