للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الحديث الأول فليست فيه دلالة على وجوب الاختتان، لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يفعلون الواجبات كما يفعلون المندوبات، فإن قال قائل إن اختتان إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو في سن الثمانين يدلُّ على الوجوب قلنا: إن اختتانه عليه الصلاة والسلام وهو في سن الثمانين يدل على عدم الوجوب، إذ لو كان واجباً عليه لما أخَّره إلى هذا الوقت. وثانياً إنَّ شَرْع مَن قبلنا ليس شرعاً لنا، واختتان إبراهيم لو صح فهمه على أنه واجب فإن المسلمين غير مخاطبين بالاقتداء به فيه. فإن قال قائل إن القرآن طالبنا بالاقتداء به أجبناه بأن الآية التي استشهد بها لا تدل على دعواه، لأن اتباع ملَّة إبراهيم غير اتباع شريعته فنحن مأمورون باتباع ملَّةِ إبراهيم وملَّةِ عيسى وملَّةِ موسى وملَّةِ نوح، وهي كلها ملة واحدة، ومعنى الملة أصل الدين والتوحيد، وهذا هو المقصود بالآية الكريمة {إنَّ الدِّين عند الله الإسلام} فالدين والملَّة والتوحيد شيء واحد عند جميع الأنبياء، ولكننا لسنا مأمورين باتِّباع شرائعهم، لأنَّ لكلِّ نبي شريعةً تغاير شريعة الآخر. فنحن المسلمين لسنا مخاطبين باتباع الشرائع سوى شريعة الإسلام. قال تعالى {لكلٍّ جعلنا مِنْكُمْ شِرْعةً ومِنْهاجاً} . والختان من الشريعة وليس من العقائد فلا يدخل في طلب الآية. فالآية والحديث لا يدلان على ما ذهبوا إليه، ولا يدل الحديث إلا على العلم فقط بأن سيدنا إبراهيم عليه السلام قد اختتن وهو ابن ثمانين سنة دون أية إضافة أُخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>