للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث السادس يقول «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل» وهو نصٌّ فيصلٌ في جواز ترك الغسل، وهو دليلٌ رادٌّ للوجوب ودالٌّ في الوقت نفسه على الندب، لأنه وصف الغسل بأنه أفضل. والحديث السابع فيه قرينتان صارفتان الغسلَ عن الوجوب: الأولى التعليل بأن غسل الجمعة إنما هو لأجل إزالة الأوساخ والروائح، أي لأجل النظافة، وإن إزالة الأوساخ مندوبة وليست واجبة، والعلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً، فالمسلم إذا كان نظيفاً لا يحمل وسخاً، ولا تنبعث منه رائحة كريهة لا يلزمه الاغتسال، لأن الغسل معلَّل بإزالة الوسخ، ولا وسخ يزال فيسقط التكليف. والقرينة الثانية هي قوله عليه الصلاة والسلام «لو أنكم تطهَّرتم ليومكم هذا» فهو عرض، وهو أخف من الأمر، وهو يدل على التخفيف في الطلب، ولو كان واجباً لما قال ما قال. ومما يدل على عدم وجوب الغسل يوم الجمعة دلالةً أكيدة وأن الغسل معلَّل بإزالة النظافة إضافةً إلى ما سبق، هو ما رُوي عن عكرمة «أن أُناساً من أهل العراق جاءوا فقالوا: يا ابن عباس أترى الغُسل يوم الجمعة واجباً؟ قال: لا، ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدءُ الغسل: كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقاً مُقارِب السقف، إنما هو عريش، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم حارٍّ، وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضُهم بعضاً، فلما وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الريح قال: أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، وليمسَّ أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه. قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكُفُوا العمل ووُسِّع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضاً من العرق» رواه أبو داود وأحمد والبيهقي. ورواه الحاكم وصححه هو والذهبي على شرط البخاري، وحسَّنه النووي وابن حجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>