للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الحديث الخامس فهو محتمل فلا يصلح للاحتجاج به على أيٍّ من الرأيين إلا بنوعٍ من التأويل، فبالتأويل يمكن اعتباره دليلاً على وجوب الاغتسال يوم الجمعة، بالقول إن عمر ما كان له أن يعنِّف رجلاً مثل عثمان أمام المسلمين ويقطع خطبة الجمعة إلا لتركه فرضاً، ولو كان عثمان قد ترك مندوباً لما قطع عمر الخطبة وعنَّفه، خاصة وقد استشهد بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالغسل. وبالتأويل أيضاً يمكن اعتباره دليلاً على عدم الوجوب لأن عثمان لم يغتسل، ومثله يبعد أن يترك واجباً، فكما أنه لم يترك فرض الوضوء كذلك لا ينبغي له أن يترك الغسل لو كان فرضاً. أما تعنيف عمر له على ترك الغسل وقطع الخطبة لذلك، فيُرد عليه بأن عمر لم يقطع الخطبة لأجل ترك عثمان الغسل، وإنما قطعها لأجل تأخر عثمان في الوصول إلى المسجد لصلاة الجمعة، ثم انتقل الحديث إلى الغسل والوضوء، وإن الحديث يدل على أن الصحابة كانوا يحرصون على السنن والنوافل، ويحاسب بعضهم بعضاً عليها، فالحديث إذن محتمل، فلا يصلح دليلاً على أيٍّ من الرأيين.

أما الحديثان السادس والسابع فهُما نصٌّ في محل النزاع لا يحتاجان إلى تأويل، ولا يسهل دفعهما، وهما دليلان صريحان على استحباب غسل الجمعة ونفي الوجوب عنه، كما أنهما قرينة على حمل حديث الحق على الاستحباب. ولم يستطع أصحاب الرأي القائل بالوجوب تأويلهما، ولم يجدوا سوى ردِّهما بحجة أن إسنادهما أضعف من إسناد أحاديث الوجوب، وقد أخطأوا خطأً بيِّناً، لأن إسناد الأول إن كان حسناً فإن إسناد الثاني في غاية الصحة والقوة، ولأن هذه الأحاديث يمكن الجمع بينها عكس ما ذهبوا إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>