للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالتدقيق في هذه الألفاظ نجد أن بينها قاسماً مشتركاً هو التطهُّر الذي حصل بفعل الإنسان نفسه، ولذلك جاءت الألفاظ {المُطَّهِّرين} و {المُتَطَهِّرين} و {تطهَّرْنَ} ، واسم الفاعل هو متطهرات، أي أن من قام بتطهير نفسه وُصف بأنه متطهِّر أو مُطَّهِّر، ولم يوصف بأنه مُطَهَّر، في حين أنَّ من طهَّرهم الله لم يوصف أحد منهم بأن متطهِّر أو مُطَّهِّر، وإنما مُطَهَّر ومُطَهَّرون، وهكذا، والفرق واضح تماماً، وإذن فكل من طهَّره الله دون مشاركة من غيره فهو مُطَهَّر، وكل من طهَّر نفسه فهو مُتَطَهِّر ومُطَّهِّر. هذه هي استعمالات القرآن الكريم وبتطبيقها على آية سورة الواقعة نجد أن قوله تعالى {لا يمسُّه إلا المُطَهَّرون} يعني الذين طهَّرهم الله، وبذلك يتعين تفسير هذه اللفظة بالملائكة وليس بالناس.

من ذلك كله يتضح أن آية الواقعة عنت الملائكة ولم تَعنِ الناس، وإلى هذا المعنى مال الإمام مالك فيما رواه عنه القرطبي في تفسيره (وهو نحو ما اختاره مالك حيث قال: أحسن ما سمعت في قوله {لا يمسه إلا المُطهَّرون} أنها بمنزلة الآية التي في عبس وتولى {فمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ. في صُحُفٍ مُكَرَّمةٍ. مَرْفُوعةٍ مُطهَّرةٍ. بأَيْدِي سَفَرةٍ. كِرَامٍ بَرَرَةٍ} يريد أن المُطهَّرين هم الملائكة الذين وُصفوا بالطهارة في سورة عبس) . وممن فسَّروا الآية {لا يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرون} بأنهم الملائكة وأن الكتاب المكنون هو الذي في السماء فيما رواه عنهم الطبري في تفسيره هم: ابن عباس ومجاهد والضحاك وجابر بن زيد وابن نهيك وسعيد بن جبير وعكرمة وأبو العالية. وقد سبق أن ذكرنا أن ابن تيمية قال بذلك وإن خالف هؤلاء في الاستدلال. وبذلك يظهر بوضوح أن آيات القرآن الكريم فيها دلالة على أن مس المصحف يحتاج إلى وضوء، فلم يبق إذن سوى الحديث المشار إليه وفيه الغُنية.

<<  <  ج: ص:  >  >>