للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالتسليم بهذا الرأي نقول إن أصحاب الرأي الثالث قد أخطأوا حينما قالوا (أو لم يجنب) لأن هذا القول يعني الصبيان، والأصل عدم إدخال الصبيان، سيما وأنهم جعلوا الاغتسال واجباً، ولا يصح أن يُوجبوا على الصبيان تكليفاً، وهذا الخطأ هو قسم السلب الذي أشرنا إليه، فإذا أخرجناه من البحث لم يبق سوى القول إن الآراء الثلاثة مدارها على جنابة الكفار. هذه واحدة.

أما الثانية فهي أن الرواية عن أبي حنيفة ضمن الرأي الأول قد تضمنت خطأ بيِّناً، هذا الخطأ هو اعتبار غسل الكفار غسلاً شرعياً، والمعلوم الذي ينبغي أن لا يغيب عن ذهن فقيه هو أن الغسل عبادة، والعبادة لا تصح من كافر، فالأصل أن لا يُعتبر غسل الكفار غسلاً شرعياً سيما وأنه يحتاج إلى نية، والكفار حين يغتسلون إنما يغتسلون لأجل النظافة وليس تعبُّداً مقروناً بنيَّة، وحتى لو جاء من يقول إن الكفار أهل الكتاب يغتسلون بنية ويغتسلون تعبُّداً فإنا نقول له إن الإسلام لا يعتبر عبادتهم عبادة شرعية.

نعم إن الإسلام يعترف لأهل الأديان بحقهم في التعبُّد، ولكن هذا الاعتراف معناه السماح لهم به وعدم منعهم منه، ولا يعني أنه يعتبره عبادة تصح شرعاً ويترتب عليها ما يترتب على عبادتنا، فكان الأصل في أبي حنيفة ومن يقول بقوله أن لا يرتِّب نتيجة على عبادة باطلة، وحيث أن الكفار لا قيمة لغسلهم، فإننا نعتبر غُسلهم وعدمه سواء دون أي فارق مطلقاً. وبالتسليم بهذه الفكرة نقول إن هذه الرواية يبقى منها الوجوب على من أجنب، وهذا الباقي داخل في الرأي الثالث.

وبذلك يبقى عندنا رأيان اثنان فحسب يستحقان الوقوف والمناقشة: الأول يقول باستحباب غسل الكافر إذا أسلم، والثاني يقول بوجوب غسله. وحتى نعرف أياً من هذين الرأيين هو الصحيح يتوجب علينا استعراض النصوص التي تعالج هذه المسألة، وهذه النصوص هي:

<<  <  ج: ص:  >  >>