والحديث الثاني فيه أمرٌ من الرسول عليه الصلاة والسلام لمن أسلم، وهو قيس بن عاصم بالاغتسال. وأنا لا اذهب إلى قول من يقول إن الأمر يفيد الوجوب إلا أن تصرفه قرينة إلى الندب أو الإباحة، وإلا لانتهى الأمر ولبان أن الاغتسال واجب، ولكني أذهب إلى القول إن الأمر يفيد مطلق الطلب، والقرينة هي التي تصرفه إلى الإيجاب أو الندب أو الإباحة، وعلى ذلك أقول: الحديثان فيهما أمرٌ، والأمر فيهما يفيد الطلب، ولذا وجب البحث عن قرينة تحدد الحكم المستفاد، أما القرينة على أن هذا الأمر في الحديثين يفيد الوجوب فهي موجودة في حديث السيرة، فهذا الحديث وإن كان موقوفاً على صحابيين إلا أن له حكم الرفع، إذ يبعد جداً أن يكون الصحابيان قد قالا ما قالا اجتهاداً منهما، فالحديث يقول «تغتسل فتَطَّهَّر وتطهِّر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي» ومن هذا الحديث يُؤخذ ما يلي:
١- هذا القول ردٌّ على من أسقطوا عن الكافر إذا أسلم الغسل من الجنابة مستدلين بما رواه أحمد من طريق عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له « ... إن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله» لأن حديثهم عام، وحديثنا هذا خاص، والمعلوم بداهة تقديمُ العمل بالخاص.
٢- وهو دليل على أن الغسل إنما هو غسلٌ من الجنابة، لأن الحديث أمر بالقيام بعدة أعمال قبل الصلاة، فجعل الاغتسال والتَّطهُّر وغسل الثوب والنطق بالشهادة تسبق الصلاة، مما يفيد أنه لا صلاة إلا بالاغتسال والتَّطهُّر وغسل الثوب والإسلام، فإذا اقترن الأمر بالاغتسال بأداء الصلاة دل على أن الغسل هو غسل الجنابة، أو ما في حكمه بالنسبة للنساء وهو غسل الحيض، فإذا علمنا أن الغسل من الجنابة والغسل من الحيض شرط لصحة الصلاة أدركنا أن هذا الغُسل واجب.