للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ما يقوله أبو بكر الجصَّاص في تفسير هذه الآية من أن معناها إباحة وطء الحائض بمجرد انقطاع الدم فهو قولٌ لا تحتمله هذه الآية الكريمة، فقد قال ما يلي (قوله تعالى {حتى يَطْهُرن} إِذا قريء بالتخفيف فإنما هو انقطاع الدم لا الاغتسال، لأنها لو اغتسلت وهي حائض لم تطهر فلا يحتمل قوله {حتى يَطْهُرن} إلا معنى واحداً، وهو انقطاع الدم الذي به يكون الخروج من الحيض، وإذا قُرئ بالتشديد احتمل الأمرين من انقطاع الدم ومن الغسل لما وصفنا آنفاً، فصارت قراءة التخفيف محكمةً، وقراءة التشديد متشابهة، وحكم المتشابه أن يُحمل على المحكم ويرد إليه، فحصل معنى القراءتين على وجه واحد، وظاهرهما يقتضي إباحة الوطء بانقطاع الدم) فهذا القول مضطرب وناقص. أما أنه مضطرب فهو قوله إن قراءة يطَّهَّرن بالتشديد احتمل الأمرين من انقطاع الدم ومن الغسل، وعدَّ ذلك من المتشابه، وهذا خطأ، لأن قراءة يطَّهَّرن - بالتشديد - لا تحتمل إلا معنى واحداً فحسب وهو الغسل، ولا تحتمل انقطاع الدم مطلقاً، فهو فعل من أفعال الإنسان، وانقطاع الدم ليس فعلاً من الإنسان، فيسقط القول بالتشابه، فقوله إن هذا الفعل متشابه قول فاسدٌ، وقوله بحمل المتشابه على المُحكم فاسد هنا، لأن ما بُني على فاسد فهو فاسد. وثانياً: إن اجتهاده في إثبات معنى {يَطْهُرن} بأنه انقطاع الدم لا يكفيه ولا يثبت حجته إلا أن تكون الآية قد انتهت عند هذا الحد، ولكن حيث أن الآية أضافت {فإذا تَطَهَّرْنَ فأْتُوهُنَّ ... } وحيث أن الله لا يقول شيئاً عبثاً، فما يقول فيه غير أن التَّطهُّر هنا يفيد الاغتسال؟ أليس تركه شطر الآية هذا نقصاً؟ وهل في الآية تناقض؟ ذلك أن أول الآية علَّق الوطء على انقطاع الدم، ونحن نسلم له به، ولكن آخر الآية طلب الغسل قبل الوطء، فما يقول فيه؟ إن إغفاله لهذا الشطر الأخير نقص واضح ما كان ينبغي عليه أن يقع فيه. إن معنى الآية هو: لا تقربوهن حتى ينقطع

<<  <  ج: ص:  >  >>