للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ما يقوله بعضهم من الاكتفاء بالوضوء أو حتى بغسل الفرج بدل الغسل، وحجتهم أن التطهُّرَ كلمةٌ عامة تشمل الوضوء وتشمل الغسل وتشمل غسل النجاسة، فبأيِّها أتت الحائض فإنها تكون قد تطهرت وحل حينئذ وطؤُها، فهو قول مَن لم يُحِط بالموضوع إحاطة كافية، ذلك أنَّ هذا القول هو أخذُ جزءٍ من النص وفصله عن أجزائه الأخرى فصلاً تاماً حيث لا يصح الفصل، لأن الآخر له تعلقٌ بالأول، ذلك أن الآية تتحدث عن الحائض من حيث الاعتزال، وانقطاع الدم والتطهُّر، والإتيان، ففصل أي معنى من هذه المعاني عن حالة الحيض خطأ، فهذه الآية جعلت كل هذه المعاني في موضوع الحيض، فوجب قصرها عليه وربطها به، فإذا قيل اعتزلوا وجب قصرُه على الحائض، وإذا قيل يَطْهُرن وجب قصر الطهارة عليه، وإذا قيل تطهَّرن وجب قصر التَّطهُّر عليها، وهذا القصر على الحائض إنما هو قصرٌ عليها بوصفها حائضاً وليس بوصفها أنثى فقط، فإذا قيل {فإذا تَطَهَّرْنَ} وجب تفسيره بأن الحائض بوصفها حائضاً تتطهر، أي أن التَّطهُّر مطلوب منها بوصفها حائضاً، أي هو مربوط بحيضها، وأنه يجب قصره على حالة الحيض، وبمعنى آخر جعله مُزيلاً لحالة الحيض، وليس لأية حالة أخرى كحالات نقض الوضوء أو التنجيس أو التنظيف.

أرأيت لو قيل: الجُنُب يتطهَّر، أيُفهم منه أن الجُنُب يغسل ثوبه؟ أكان يصح هذا الفهم؟ أرأيت لو قيل: صاحب الثوب النجس يتطهر، أيفهم منه غير إزالة نجاسة ثوبه؟ فكذلك القول: الحائض تتطهَّر لا يصح أن يفهم منه أن على الحائض إزالة دم الفرج، أو أن عليها أن تتوضأ، تماماً كما لا يصح أن يفهم من قوله تعالى {وإِنْ كُنتم جُنُباً فاطَّهَّروا} غير أمر الجُنُب بالاغتسال، وهذا ما جاء صريحاً في القرآن الكريم في الآية الكريمة {ولا جُنُباً إلا عابِرِي سَبيلٍ حتى تَغْتَسِلوا} فالقرينة هنا - وهي حالة حيض الحائض- هي التي تحدد أي المعاني المقصودة لكلمة تطهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>