للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثَمَّةَ مسألةٌ أُخرى هي أن أبا حنيفة يقول: إِذا انقطع الدم لأكثر الحيض حل وطؤُها، وإِلا لم يحل حتى تغتسل أو تتيمَّم أو يمضي عليها وقت صلاة، لأن وجوب الغسل لا يمنع الوطء كالجنابة. وقد رد على هذا الرأي شمسُ الدين بنُ قُدامة بقوله (ولنا قوله تعالى {ولا تَقْرَبوهُنَّ حتى يَطْهُرنَ فإِذا تطَهَّرنَ فأْتُوهُنَّ} قال مجاهد: حتى يغتسلن، وقال ابن عباس فإِذا اغتسلن، ولأنه قال {فإِذا تطَهَّرنَ} والتَّطهُّر تفعُّل والتفعُّل إِذا أضيف إِلى من يصح منه الفعل اقتضى إِيجاد الفعل منه كما في النظائر وانقطاع الدم غير منسوب إِليها، ولأن الله سبحانه وتعالى شرط لحل الوطء شرطين – انقطاع الدم والغسل- فلا يباح بدونهما، ولأنها ممنوعة من الصلاة لحديث الحيض فمنع وطؤها كما لو انقطع لأقلِّ الحيض، وبهذا ينتقض قياسهم، وحَدَثُ الحيضِ آكدُ من حدث الجنابة، فلا يصح الإلحاق) .

وبتوضيح أكثر أقول إن الآية الكريمة طلبت عدم إتيان الحُيَّض {حتى يَطْهُرْنَ فإِذا تَطَهَّرْنَ فأْتُوهُنَّ} فقولها {حتى يَطْهُرْنَ} يعني: حتى ينقطع دمهن، ولم تكتف الآية الكريمة بذلك بل أضافت قيداً آخر هو القول {فإذا تطَهَّرْنَ} والتطهُّر هنا الاغتسال، فكان إتيان الحائض حراماً حتى ينقطع دمها، وحتى تغتسل، والاقتصار على أحد الاثنين إلغاءٌ للآخر، وهذا معارض ومعاند للآية الكريمة، وقد جاء الفعل الأول يَطْهُرن من طَهُر، وجاء الفعل الثاني تطَهَّرن من تطهَّر، أما طَهُر فمعناها صار طاهراً، وأما تطهَّر فمعناها جلب لنفسه الطهارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>