بقيت آخر نقطة في البحث،وهي هل في وطء الحائض كفارة أم لا؟ فذهب عطاء والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأبو الزناد وربيعة وسفيان الثوري والليث ومالك وأبو حنيفة والشافعي في أصح الروايتين عنه إلى أن من وطئ زوجته وهي حائض فلا كفارة عليه والواجب الاستغفار والتوبة، وهؤلاء حجتهم أن الأحاديث الواردة في طلب الكفارة مضطربة لا تصلح للاحتجاج، وأن الأصل البراءة فلا يُنقل عنها إلا بحجة، والحجة ضعيفة. كما استشهدوا بما رواه ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من أتى حائضاً أو امرأةً في دُبُرِها أو كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد» . فقالوا إن الحديث لم يذكر كفارة، وإنه نَهْيٌ نُهِيَ عنه لأجل الأذى أشبه الوطء في الدبر. وذهب عبد الله بن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير وقتادة والأوزاعي وإسحق بن راهُوَيه وأحمد في المشهور عنه، والشافعي في القديم إلى وجوب الكفارة، واستشهدوا بما ورد من الأحاديث الدالة على ذلك. وحتى نناقش هذين الرأيين لمعرفة الصحيح منهما لا بد من استعراض الأحاديث الواردة:
١- حديث ابن ماجة السابق «من أتى حائضاً أو امرأة في دُبُرها ... » .
٢- عن ابن عباس رضي الله عنه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينارٍ أو بنصف دينارٍ» رواه أحمد والنَّسائي وابن ماجة. ورواه أبو داود وقال (هكذا الرواية الصحيحة قال دينار أو نصف دينار) ورواه الترمذي بلفظ «إذا كان دماً أحمر فدينار، وإذا كان دماً أصفر فنصف دينار» .
٣- عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إذا أتى أحدُكم امرأتَه في الدم فلْيتصدق بدينار، وإذا وطِيَها وقد رأت الطُّهرَ ولم تغتسل فلْيتصدَّق بنصف دينار» رواه البيهقي.