الحديث الأول ضعيف ضعفه البخاري فلا يصلح للاحتجاج فيرد، وبرده يرد الاستشهاد به. فالقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يذكر كفارة بناء على هذا الحديث قول ساقط لسقوط الحديث عن مرتبة الاحتجاج. أما قياسهم بالقول: قد نُهي عنه لأجل الأذى، أشبه الوطء في الدبر، فهو قياس لا يصح لعدم صحة الحديث أولاً، ولعدم الاشتراك في العلة ثانياً، فالنهي عن الوطء في الحيض إنما هو لعلة الأذى كما جاء في الآية، أما تحريم الوطء في الدبر فليس لعلة الأذى، وإنما لأن الدبر ليس محلاً للزرع والولد، فاختلفت العلتان فلا قياس.
الحديث الثاني رواه أيضاً الدارقطني وابن الجارود، وكل رواته مخرَّجٌ لهم في الصحيح إلا مقسماً الراوي عن ابن عباس انفرد به البخاري. وقد اختلف العلماء اختلافاً كبيراً في هذا الحديث. فذهبت جماعة إلى وصمه بالاضطراب، قال ابن حجر (والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير جداً) . وقال غيره إن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس، وقال النووي (إن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه، وإنَّ الحق أنه ضعيف باتفاقهم) وتابعه ابن الصلاح.
والصواب الذي ينبغي الذهاب إليه هو أن هذا الحديث صحيح وليس ضعيفاً، وأن النووي وابن الصلاح وابن حجر قد أخطأوا في تضعيفِه ووصمِه بالاضطراب. فهذا الحديث صححه الحاكم كما ذكر النووي، وصحَّحه أبو داود، وحسَّنه أحمد واحتج به، وصحَّحه أبو الحسن بن القطان، وأجاب على دعوى الاضطراب بأن الإعلال بالاضطراب خطأ، والصواب أن يُنظر إلى رواية كلِّ راو بحسبها، ويُعلم ما خرج عنه فيها، فإن صح من طريق قُبل، ولا يضره أن يُروى من طرق أُخَر ضعيفة وقد صحَّت لهذا لحديث رواية دون غيرها من الروايات.