أما عن دعوى الإرسال أو الوقف على ابن عباس، فقال الخطابي: والأصح أنه متصل مرفوع. ويُجاب أيضاً على دعوى الاختلاف في رفعه ووقفه بأن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي رفعوه عن شعبة، وكذلك ذهب ابن جرير وسعيد بن عامر والنَّضْر بن شميل وعبد الوهاب الخفاف. وقال ابن سيد الناس: من رفعه عن شُعبة أجلُّ وأكثر وأحفظ ممن وقفه. وقال أبو بكر الخطيب: اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفاً، وهو مذهب أهل الأصول، لأن إحدى الروايتين ليست مكذِّبة للأخرى، والأخذ بالمرفوع أخذٌ بالزيادة وهي واجبةُ القبول. فالحديث إذن صحيح ويصلح للاحتجاج.
أما رواية الترمذي «إذا كان دماً أحمر فدينار أو كان دماً أصفر فنصف دينار» فهي ضعيفة، لأن في رواتها عدداً فيهم مقال. قال البيهقي عن ابن أبي المخارق عبد الكريم (هو مُجمع على ضعفه) .
والحديث الثالث يصح الاحتجاج به. وإذن فإن عندنا حديثين صالحين للاحتجاج، بمعنى أن عندنا الحجة، وهم يقولون (والأصل البراءة فلا ينتقل عنها إلا بحجَّة) وقد صحت عندنا الحجة، فالواجب عليهم الانتقال إلى حيث تدل الأحاديث. وهكذا تسقط حججهم كلها، ويثبت الحكم المستنبط من نصَّين صالحين، وهو أنه لا بد من كفارة على من وطئ الحائض.
وهذا الوطء الذي تجب فيه الكفارة لم يأت من الشرع ما يقيده بحالة العمد، أو يستثني منه النسيان والسهو، فيجب القول بالكفارة على من وطئ الحائض عمداً أو سهواً. إلا أن العامد آثم ويخرج كفارة، والساهي غير آثم ولكنه يخرج هو الآخر كفارة، لأن النص عام في الاثنين ولا مخصِّص. ثم إن الكفارة واجبة على الرجل والأنثى إلا أن تكون الأنثى مكرهة فلا كفارة عليها.