ومن هذا الفهم نخرج بالرأي التالي: إن المرأة إن أسقطت نُطفة أي عقب مرور أربعين يوماً كأقصى وقت لبدء الحمل، فإنها لا تكون قد أسقطت مولوداً، وإن أسقطت علقة أي عقب مرور ثمانين يوماً كأقصى وقت لبدء الحمل، فإنها أيضاً لا تكون قد أسقطت مولوداً، وهذا أمر ظاهر الوضوح. أما إن أسقطت مضغةً كاملةً التَّخلُّقِ بعد مرور ما يزيد على مائة وعشرين يوماً ولو بيوم واحد، فإنها تكون قد أسقطت مولوداً فيه روح، وهذا إسقاطٌ لإنسان وهو نفاس قطعاً لا شك فيه. فتبقى الفترة ما بين ثمانين يوماً ومائة وعشرين يوماً، وهي فترة تخلق المضغة، فهذه الفترة مرحلة انتقالية من جسم لا شك في أنه ليس مولوداً، ولم تحل فيه الروح، لأنه قطعة دم جامد كالكبد والطحال وليس لحماً، إلى جسم من لحم مخلَّق حلَّت فيه الروح. هذه الفترة اختلف فيها الفقهاء، فمنهم من اعتبر إسقاط المضغة قبل اكتمال تخلقها إسقاط مولود، وبالتالي سمَّوْه نفاساً، ومنهم من اعتبر إسقاطها إسقاطاً مماثلاً لإسقاط النطفة والعلقة، أي ليس إسقاط مولود وليس نفاساً، والصحيح هو أن المضغة قبل اكتمال تخلُّقِها حكمُها حكم ما قبلها، لأن الروح لا تحل فيها قبل التَّخلُّق.
أما ما يتعلق بالنفاس من حيث الحكم للصلاة والطهارة والجماع فإنَّا نقول إن المرأة إن أسقطت بعد مائة يوم فَحَصْنا الساقط، فإن تبيَّنَّا فيه تخلق المولود بشكل بيِّن اعتبرناها في حالة نفاس وإلا فلا. قال ابن قدامة في المغني (إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق الإنسان فهو نفاس نُصَّ عليه، وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة فليس بنفاس، وإن كان الملقى بضعة لم يتبين فيها شيء من خلق الإنسان ففيها وجهان - أحدهما - هو نفاس لأنه بدء خلق آدمي فكان نفاساً كما لو تبين فيها خلق آدمي - والثاني- ليس بنفاس لأنه لم يتبين فيها خلق آدمي فأشبهت النطفة) .