وثانياً لأن الواو في اللغة تفيد الترتيب عند الفرَّاء وثعلب وأبي عبيد والشافعي في رواية عنه ولا تفيد الترتيب عند سائر اللغويين والأئمة، ولكن اللغة تجعل الواو تفيد الترتيب إذا وُجدت قرينة، وقد وُجدت هنا قرينة، وهي الروايات الأربع التي فيها «ثم» فهذه الروايات الأربع قرينة على أن «ولا» هنا تفيد الترتيب والتعقيب، فيكون معنى الحديث إذن: لا تبولوا في الماء، وبعد التبوُّل فيه لا تتوضأوا منه ولا تغتسلوا فيه. فالنهي عن الوضوء أو الاغتسال إنما جاء لوجود البول في الماء وليس لأي سبب آخر.
والماء الدائم إما أن يكون دون قُلَّتين فيتنجس بالبول وإما أن يكون أكثر من قُلَّتين فيتقذَّر، ولا احتمال آخر، فالحديث إذن ينهى عن الاغتسال من الماء النجس أو الماء القذر، فتكون علَّة النهي النجاسة فيما دون القُلَّتين والقذارة فيما فوق القُلَّتين، ولا يوجد في الحديث أية علَّة أخرى. أما ما يدَّعونه من أن علَّة النهي عن الاغتسال أو الوضوء هي الاستعمال، فهو مرجوح وبعيد، فاقتران النهيين لم يجيء عبثاً، ولو كان الاستعمال هو العلَّة لما لزم اقتران البول بالاغتسال، فوجود النهي عن البول في الحديث مقترناً بالنهي عن الوضوء أو الاغتسال قرينة صارفة لعلَّة الاستعمال إلى القذارة والتلوث بالنجاسة.