وأُضيف من وجه آخر ما يلي: روى أبو داود وأحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه قال «اغتسل بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جَفْنة، فجاء النبي يتوضأ منها، أو يغتسل فقالت له: يا رسول الله إني كنت جُنُباً، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم -: إن الماء لا يُجْنِب» . وبالتدقيق في نصِّ الحديث يتبين لنا أن زوجة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد اغتسلت في جَفْنة، وخلَّفت فيها فضل غُسل، فلما جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليغتسل مما فضل في الجَفْنة من ماء غُسلها، أخبرته أنها اغتسلت من هذا الماء وأن هذا الماء هو فضل غُسلها، فلم ير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن فعلها مانع له من الاغتسال بفضل الماء، وقال لها «إن الماء لا يُجْنِب» أي أن الماء الذي يُغتسل منه لا يُجنب. ولا شك في أن هذا الماء قد غمست فيه يديها حين الاغتراف، وأصابه شيء من رشاش ماء الغسل، ولولا ذلك لما أخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها اغتسلت في الجفنة، فهذا الحديث ينفي علَّة الاستعمال. فقول الرسول عليه الصلاة والسلام حين ذكر الماء المستعمَل «إن الماء لا يُجْنِب» هو قول صارف لعلَّة الاستعمال، وصارف أيضاً لادِّعاء من يقول إن الحديث هذا من خصوصياته.
وأُضيف من وجه ثالث أنهم قالوا إن اقتران النهي عن البول بالنهي عن الاغتسال في الماء يقتضي التسوية في أصل الحكم لا في تفاصيله، وجعلوا المنع من الوضوء في حالة البول في الماء متساوياً مع المنع من الوضوء في حالة الاغتسال فيه، أي أنهم قالوا إنه لا يجوز التوضؤ بالماء الذي اغتسل فيه لأنه لا يرفع الحدث، كما أن الماء الذي خالطه البول لا يرفع الحَدَث، ونفَوْا التسوية في التفاصيل.