للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية الكريمة تدل على وجوب الترتيب، فإنه سبحانه وتعالى أدخل ممسوحاً بين مغسولين، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة، ولا فائدة هنا سوى الترتيب. فإن قيل إن هذا القطع يفيد الاستحباب للترتيب دون الوجوب، قلنا إن الآية الكريمة قد جاءت تبين الواجب في الوضوء فقط، ولم تأت على ذِكْر أيِّ مندوب من مندوبات الوضوء، وهذا الترتيب جاء في أثناء بيان الوضوء المُجْزِيء، فكان ذلك قرينة على إفادة الوجوب، ثم إن كل من حكى وُضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حكاه مرتباً، وهو مُفسِّر لما أجملته الآية الكريمة.

والحديث السابق الذي رواه عثمان رضي الله عنه ظاهرٌ فيه الترتيب، وكذلك حديث عمرو بن عبسة، وكثير غيرهما كلها جاءت بترتيب مقصود، فهذه الأحاديث يظهر فيها الترتيب لوجود حرف (ثم) وهذا الحرف كما هو معلوم يفيد الترتيب، فحديث عثمان رضي الله عنه جاء فيه «ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض ... ثم غسل وجهه ... ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ... » وحديث عمرو بن عبسة كذلك «ثم إذا غسل وجهه ... ثم يغسل يديه ... ثم يمسح رأسه ... ثم يغسل قدميه ... » وهكذا الأحاديث الأُخر وقد مرت، ولم تكتف هذه الأحاديث بترتيب الأفعال بـ (ثم) بل أضافت «من توضأ نحو وضوئي هذا» فهذا نصٌّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكيفية، لأن كلمة (نحو) تفيدها، فالغسل للوجه واليدين والرِّجلين من الكيفية، ومسح الرأس من الكيفية، والترتيب يدخل في الكيفية، ولا يخرج منها إلا بدليل ولا دليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>