أما قولهما الأخير إن الغسل أو الوضوء يسمى طهارةً والطهارةُ لا تكون إلا عن نجاسة إذ تطهير الطاهر لا يُعقل، فإنا نقول إن هذه القاعدة خطأ، فما يُبنى عليها لا يصح، إذ الطهارة ليست بالضرورة عكس النجاسة، فقوله تعالى {فمَن شاءَ ذَكَرَهُ. في صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ. مرفوعةٍ مُطَهَّرة} وقوله تعالى {رسولٌ من الله يتلو صُحُفَاً مُطَهَّرة} وقوله سبحانه {خُذْ من أموالِهِم صَدَقةً تُطهِّرهم وتُزكِّيهم بها} وقوله جل جلاله {أولئك الذين لم يُرِد اللهُ أنْ يُطَهِّرَ قلوبَهم} وقوله سبحانه لآل الرسول عليه الصلاة والسلام {ولكنْ يُريدُ لِيُطَهِّرَكم ولِيُتِمَّ نعمتَه عليكم} وقوله سبحانه {أَخْرِجوا آلَ لوطٍ من قريتِكم إنهم أُناسٌ يَتطهَّرون} وكثيرٌ غيرها في كتاب الله لا تعني أن الطهارة هي ضد النجاسة الحسية، فالله سبحانه لم يُرد من وصف الصحف بأنها مطهَّرة أنها أُزيلت منها النجاسة، ولا أراد سبحانه أن تكون الصدقة مزيلةً من الناس النجاسة، ولا أراد من قوله أنْ يُطهِّر قلوبَهم أن يزيل النجاسة من القلوب، ولا إلى آخر ما ورد، فهذه كلها طهارات ليست مقابلةً للنجاسة ولا بوجه من الوجوه.
وحين جاء مسلمٌ خاطيء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يقول له: يا رسول الله طهِّرني، لم يكن يقصد أن يزيل الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام نجاسته، بل قصد إقامةَ الحد عليه وسماها طهارة وهذه معلومة بالضرورة، فالطهارة تكون ضد النجاسة الحسية وتكون ضد النجاسة المعنوية، وتأتي بمعان متعددة، فتخصيصُها بالنجاسة الحسية في رفع الحدث يحتاج إلى مخصِّص ولا مخصِّص. بل إن عندنا أحاديث تنفي النجاسة الحسية عن المسلم وهو جُنُب، وعن المرأة وهي حائض، ونمثِّل للحالتين بما يلي: