للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث الأول فعلٌ، والحديث الثاني قولٌ، وهما يفيدان أن القيء ناقض للوضوء، وهو ما عليه أبو حنيفة وأحمد والثوري والأوزاعي، خلافاً لمالك والشافعي وأصحابهما، وأجابوا عن حديث أبي الدرداء بان المراد بالوضوء غسل اليدين، ويردُّ بأن الوضوء من الحقائق الشرعية، ولا يصرف عن الوضوء الشرعي إلا بقرينة. قالوا: القرينة أنه استقاء بيده، كما ثبت في بعض الألفاظ، فيقال لهم هذه قرينة لا تكفي، إذ ما المانع من أن يستعمل يده في القيء وأن يتوضأ وضوءه للصلاة من ذلك؟ فلو كان القيء باستعمال اليد يمنع من الوضوء الشرعي لكان قرينة كافية، أما وأنه ليس كذلك فإن القرينة غير صالحة لما يذهبون إليه. وأجابوا عن الحديث أيضاً بأنه فِعلٌ وهو لا ينتهض للوجوب، فنرد عليهم بأنكم بهذا لا تنفون عن الحديث كونه في الوضوء الشرعي، وإلا لما أوردتم هذه الحجة. نعم إن الصحيح هو أن الفعل أو القول لا ينتهضان للوجوب إلا بقرينة، وأن القول وحده والفعل وحده لا يكفيان للوجوب، ولذا فإن تقييده بأنه فعل لا يغير من الأمر شيئاً.

أما الدليل على وجوب الوضوء من القيء فهو حديث ابن جريج، فإن قوله «إذا قاء أحدكم أو قَلَس أو وجد منيَّاً وهو في الصلاة فلْينصرف فلْيتوضأ» أمرٌ بالانصراف من الصلاة من أجل الوضوء، ولا يكون هذا الطلب إلا لأنه واجب، ولا يصح اعتباره طلباً للندب، أي لا يصح القول إن الحديث طلب ممن أحرم بالصلاة أن يقطعها للقيام بوضوء مندوب، وهذا واضح الدلالة فلا نطيل فيه، وهذا الحديث قرينة أيضاً على أن الفعل الوارد في حديث أبي الدرداء يفيد الوجوب، وبذلك فإن الحديثين كافيان للرد على الشافعية والمالكية ومن يقول بقولهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>