ثم إن المسلم لو كان بالوضوء يتطهَّر من النجاسة، لقلنا إنه نجسٌ قبل الوضوء، وهذا منافٍ لقوله عليه الصلاة والسلام وقد مرَّ «إن المسلم لا ينجَس» ولكان مَن يلمسُه من المسلمين يتنجس وهذا لا يقوله مسلم. وبذلك يسقط الاحتجاج بهذه القاعدة ويسقط الرأي المبني عليها، هذا إضافةً إلى أنها حكمٌ عقليٌّ محض (إذ تطهير الطاهر لا يُعقل) والأحكام الشرعية لا تُستمدُّ من العقل، وإنما تستنبط من نصوص الشرع.
وأخيراً نقول إن كل الردود التي أوردناها على أصحاب الرأي الأول هي ردود على أصحاب هذا الرأي، وبذلك يظهر أنه لا وجه لقول من يقول بعدم طُهورية الماء المستعمَل في رفع الحدث الأكبر والحدث الأصغر من أصحاب الرأي القائلين بطهارته دون طُهوريته، ومن أصحاب الرأي الذين تطرَّفوا فقالوا بنجاسته. والصواب هو أن الماء المستعمَل في رفع الحدث طاهر مطهِّر طَهور، وهذا هو رأي الفريق الثالث، وقد بانت صحته.
٨- وعوداً على بدء نقول إنهم قسموا الماء إلى ستة أقسام هي: الماء الطَّهور والماء الطاهر والماء النجس والمستعمَل الطَّهور والمستعمَل الطاهر والمستعمَل النجس. وقد بينا القسم الأعظم، وبقي القليل.
لقد قالوا إن الماء المستعمَل في رفع الحدث إذا كان في المرة الثانية أو الثالثة في الوضوء يظل طَهوراً، على خلافٍ بينهم، لأنه لم يُستعمل في رفع الحدث، بل الحدث ارتفع في الغسلة الأولى لأعضاء الوضوء، أما الثانية والثالثة فليستا واجبتين، وبالتالي لم تشاركا في رفع الحدث، فيظل الماء المستعمَل بهما طَهوراً أشبه ماء التبرُّد. وذلك يعني أنهم اشترطوا في الماء المستعمَل الذي يفقد طُهوريته أن يكون مستعمَلاً في الأغسال الواجبة دون المسنونة (على خلاف بينهم كما قلت) .