والحق أن الشافعية كلهم الذين يلتزمون بأصول إمامهم ينبغي عليهم القول بالوضوء من لحوم الإبل بعد أن ثبت أكثر من حديث صحيح في لحوم الإبل، وأن أتباعه لا ينبغي لهم ترك الوضوء من أكل لحوم الإبل بعد ثبوت الدليل، بل الأدلة التي لم تثبت عند الشافعي، وهذا ما تنبَّه له كثير من فقهاء الشافعية، فأخذوا بحكم النقض كابن المنذر والبيهقي وابن خُزَيمة. والنووي الشافعي يقول في كتابه [المجموع] عن حكم النقض (هو القوي أو الصحيح من حيث الدليل، وهو الذي أعتقد رجحانه) .
أما الذين تأوَّلوا الأحاديث وعلَّلوها بأنها لأجل الزُّهومة، فنجيبهم بأن الزُّهومة كما هي موجودة في لحوم الإبل، فهي موجودة في لحوم الغنم، ولم يأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالوضوء منها، فتنتفي حجتهم وتعليلهم. وأما قولهم إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أراد الوضوء اللغوي أي غسل اليد، فنرد عليهم بقول النووي وهو أحدهم (أما حمل الوضوء على اللغوي فضعيف، لأن الحمل على الوضوء الشرعي مقدَّم على اللغوي كما هو معروف في كتب الأصول) وأيضاً إن القول بأن الأحاديث أرادت غسل اليدين يحتاج إلى دليل ولا دليل، وأيضاً إن الأحاديث لو أرادت غسل اليدين لما ترك الرسول عليه الصلاة والسلام الأمر بذلك في لحوم الغنم في الأحاديث الآمرة بالوضوء من أكل لحم الجزور نفسها. والحق أن هذه التأويلات فاسدة وتركٌ للقول بالنقض الوارد في الأحاديث.
والخلاصة أن لحم الجزور ناقض للوضوء، وأن أكل ما مسته النار من سائر اللحوم الأخرى ومن أصناف الأطعمة والأشربة لا ينقض بحال. ويدخل في لحوم الإبل كبدها وطحالها دون لبنها وحليبها.