إن لمس المرأة لو كان ينقض الوضوء لما سمحا لأيديهما بالاغتراف معاً في أثناء الغسل حتى لا يلمس أحدهما الآخر فينتقض وضوؤُهما، فيخرجان من الغُسل غير طاهرين طهارة صغرى، أي يكونان حينئذ قد اغتسلا وخرجا دون وضوء. والمعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد ثبت عنه أنه لم يكن يتوضأ عقب الغسل، فقد رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة» رواه ابن ماجة والنَّسائي والبيهقي. ورواه الترمذي وقال (حديث حسن صحيح) ورواه الحاكم وقال (هذا حديث صحيح) . والرسول عليه الصلاة والسلام قد أرشد أمته إلى أن الغسل يكفي للصلاة، وأن الوضوء يدخل فيه، فكونه يغتسل مع زوجته من إناء واحد تمتد إليه أيديهما معاً ويتنازعان الإناء وتلتقي أيديهما فيه ثم لا يتوضأ ولا يأمر زوجته بالوضوء، هو دليلٌ وحجةٌ على أن التقاء الأيدي لا ينقض الوضوء، لأنه لا يجوز السكوت في معرَض الحاجة والبيان. فهذا الحديث دليل على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، وهو فِعلٌ منه عليه الصلاة والسلام وفعلٌ من زوجته، وسكوت منه على ذلك وإقرار. فإذا كان الحديث الثالث ـ وهو فعلٌ منه عليه الصلاة والسلام ـ والحديث الرابع ـ وهو فعلٌ ـ والحديث السابع ـ وهو فعلٌ ـ والحديث الثامن ـ وهو فعلٌ ـ تفيد كلها أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يلمس نساءه ولا يتوضأ، أي إذا كانت أربعة أحاديث تقرر أن الرسول عليه الصلاة والسلام لمس النساء ولم يتوضأ، فإن ذلك دليل صريح على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، فثبوت لمس الرسول عليه الصلاة والسلام للنساء وعدم وضوئه حصل بأربعة أحاديث صحيحة وصالحة للاحتجاج، وهذا من أقوى أنواع الإثبات.