وفي المقابل لا يوجد حديث واحد من فعله عليه الصلاة والسلام أو حتى من فعل صحابي أَمامه أنه لمس وتوضأ، أي لمس صحابي وتوضأ بإقرارٍ من الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذا قرينةٌ صالحة لتعيين المراد من الآيتين الكريمتين، وأنهما تعنيان الجماع، أو قُل تنفيان النقض من مجرد اللمس بأشكاله المتعددة من التقبيل والمس باليد والغمز بالرِّجل.
وقد يقول قائل إن الآيتين أتتا بنقض اللمس باليد، والأحاديث فعلٌ منه عليه الصلاة والسلام بعدم النقض، فتحمَل الأحاديثُ على أنها من خصوصياته عليه الصلاة والسلام، فنرد عليه: إنَّا لا نسلِّم بهذا القول، لأننا لا نسلِّم بأن الآيتين أتتا بالنقض، بل إنَّا بالتساهل نقول إن الآيتين محتملتان، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال، فأحرى أن لا يُبنى على أيٍّ من المعنيين وتُحمَل الأحاديثُ على دلالة محتملة. فهذا لا يصح القول به. أجل لو كانت الآيتان لا تفيدان إلا النقض، وجاءت أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام بعدم النقض، فإن الفعل أو الأفعال منه عليه الصلاة والسلام يصح حملها على أنها من خصوصياته، أما في حالتنا هذه فلا يصح الحمل.
والثانية إنَّ الأحاديث تفسر القرآن ولا تتعارض معه، وكون الآيتين بالتساهل تحتملان المعنيين، فإن الأحاديث إذا جاءت بفعل أو بقول صلحت لتفسير الآيتين وتعيين المراد من المعنيين المحتملين، وهنا أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام صالحة لبيان معنى الآيتين، وتحديد المعنى المقصود منهما، وهذا القول أولى من القول بوجود التعارض بين القرآن والحديث حتى نُضطر للُّجوء إلى القول بخصوصية الأفعال للرسول عليه الصلاة والسلام، ذلك أنَّ القول بالخصوصية لا يُلجأ إليه عادة إلا إذا تحقق التعارض ولم يمكن الجمع والتوفيق، وهنا أمكن الجمع والتوفيق.