والثالثة إن الأحاديث لم تقتصر على فعله عليه الصلاة والسلام بل أتت بأفعال غيره وإقرارِ منه لها، فقد أبانت الأحاديث عن أنَّ نساءه كنَّ يلمسن الرسول عليه الصلاة والسلام بالتقبيل وغيره، ولم يكن يبين لهن أن وضوءهن قد نُقض، مع وجود الدواعي لهذا البيان لو كان اللمس ينقض وضوءهن، فهذا أيضاً قرينة على صحة ما نذهب إليه.
والرابعة إن عندنا نصاً يفيد أن نساء الرسول - صلى الله عليه وسلم - كن يفهمن أن تقبيل الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهنَّ دون أن ينتقض وضوؤه ليس من خصوصياته، بل يشمل سائر المسلمين، فقد روى الدارقطني بسند جوَّده الحافظ آبادي عن عائشة رضي الله عنها «أنها بلغها قول ابن عمر: في القُبلة الوضوءُ، فقالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبِّل وهو صائم ثم لا يتوضأ» . بل إن الدارقطني روى عن عائشة ما هو أصرح وأقطع في الحجة، فقد روى عنها بسند سكت عنه، كما سكت عنه الحافظ آبادي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ليس في القُبلة وضوءٌ» .
قال ابن جرير الطبري في تفسيره (وأولى القولين في ذلك بالصواب قولُ من قال عَنَى الله بقوله أو لامستم النساء الجماع دون غيره من معاني اللمس لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قبَّل بعض نسائه ثم صلَّى ولم يتوضأ) ثم ساق الأحاديث: عن عائشة حديثين، وعن زينب السهمية حديثاً، وعن أم سلمة حديثاً وهو المذكور تحت بند ٧، وعقب على ذلك فقال (ففي صحة الخبر فيما ذكرنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدلالة الواضحة على أن اللمس في هذا الموضع لمس الجماع لا جميع معاني اللمس) .