للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١- من استعراض أدلة هذا الفريق يتبين أن ما يصح اعتباره دليلاً هو الحديث الأول فحسب، والمستغرب أن هؤلاء قد رفضوا هذا الحديث حين بحث الماء النجس والماء الطَّهور، واعتبروه ضعيفاً للاضطراب في سنده وفي متنه، وها هم الآن يحتجون به على ما ذهبوا إليه من نجاسة سُؤر السبع والجارح من الطير، وسنغض الطرف عن هذا التناقض الواضح بين الموقفين. هذا الحديث له منطوق وله مفهوم، أما منطوقه فهو أن الماء الذي يبلغ قُلَّتين لا يتنجس بحلول النجاسة فيه، وهذا المنطوق لا يسعفهم في القول بنجاسة سؤر السباع والدواب، وأما مفهومه فهو أن الماء الذي يقل عن قُلَّتين يتنجس بحلول النجاسة فيه، وهذا المفهوم أيضاً لا يسعفهم في القول بنجاسة سؤر السباع والدواب. أما قولهم: لولا أن سؤر السباع والدواب نجس لما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث، فنجيبهم بأننا لا نسلِّم لهم بهذا الاستنتاج، إذ هناك أمر آخر أراده الرسول - صلى الله عليه وسلم -، هو إعطاء المسلمين قاعدة عامة في المياه تقول إن الماء الكثير الذي يبلغ قُلَّتين لا يتنجس، دون أن يذكر إنْ كان سُؤر السباع والدواب نجساً أو لا، ولو أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى الذي يقولونه لبيَّنه.

ومن ناحية أخرى نقول: إن قولهم محتمل وليس قطعياً، والقاعدة الأصولية تقول: مع الاحتمال يسقط الاستدلال. وإذن فإن هذا الحديث ليس دليلاً على نجاسة سؤر السِّباع والدواب، وإنَّ أقصى ما يقال فيه إن فيه شبهة دليل فحسب. والآن لننتقل إلى الأدلة الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>