أما الحديث الثاني فهو لا يفيدهم شيئاً، وغاية ما فيه أن الهرة حكمها حكم السباع، وهذا مسلَّم به، لأن واقع الهرة أنها سبُع، وأنها من الحيوانات المفترسة ذوات الناب، وحكمها حكم السباع سواء بسواء، ولكنهم أفردوه بالاستشهاد ليُقوُّوا رأيهم في نجاسة سُؤر السباع، إلا أن ذلك لا يُلحَظ، إذ لا يفيد هذا الحديث حكماً، لا بالطهارة ولا بالنجاسة، فليس فيه أن سُؤر الهرة نجس ليقيسوا عليه أسآر السباع ويخرجوا بحكم نجاستها، وكل ما فيه أنه ذكر فرداً من أفراد السباع فقط وسكت عن الحكم، فأيَّة دلالة فيه على ما يدَّعون؟! إنْ ثبت أنَّ حكم سُؤر السباع الطهارة انسحب هذا الحكم على سُؤر الهرة، وإن ثبت أن سُؤر السِّباع نجس، انسحب ذلك على سُؤر الهرة، وهذا مسلَّم به بدون هذا الحديث، فكان الأَوْلى بهم عدم الاستشهاد به.
أما الحديث الثالث فهو ليس حجة لهم على دعواهم، فهم يريدون إثبات أن سُؤر الحمير نجس، ولا يتحقق لهم ذلك إلا بطريقتين لا غير: فإما أن يأتوا بنصٍّ يتناول سُؤر الحمير يبين نجاسته، وإما أن يثبتوا أن الحمير نفسها نجسة فيستنبطوا من ذلك نجاسة سُؤرها. هذا هو ما يحتاجون إليه. وبالعودة إلى الحديث لا نجد فيه أياً من الطريقتين، فالحديث ذكر حادثة حصلت مع الصحابة في غزوة خيبر. ولنفسِّر هذا الحديث تفسيراً يزيل اللَّبس تماماً إن شاء الله.