للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان المسلمون يستحلُّون أكل لحم الحمير، فكانوا يذبحونها ويطبخونها ويأكلونها لأنها حلال لهم طاهرة عليهم، فحينما نزل حكم التحريم نزل وهم في حالة ذبح الحمير ووضعِها في القدور وطبخِها، فجاء قول الرسول عليه الصلاة والسلام «فإنها رجس من عمل الشيطان» فالقول إنها رجس إنما نزل على لحم الحمير المذبوح المطبوخ وليس على الحمير وهي حية، إذ المعلوم أن الحمير حين كانت حلالاً كانت طاهرة وهي حية، وكانت طاهرة وهي مذبوحة مُذَكَّاة، ولكنها كانت نجسة وهي ميتة لأن الميتة نجسة بالاتفاق لا أعلم أحداً خالف في هذا. فالحمير وهي حلال الأكل ومذبوحة طاهرة بالاتفاق أيضاً، أما عندما تكون الحمير غير حلال الأكل وماتت أو ذُبحت أو كما يقولون ذُكِّيت فإن ذبحها وذَكاتها لا يجعلانها طاهرة، بل تكون نجسة لأنها تكون ميتة. أرأيتم لو ذكَّينا فأرة أو ذبحناها وسمَّينا عليها أتكون بذلك طاهرة حلال الأكل؟ قطعاً لا، وهذا لا يخالف فيه أحد أيضاً، فالحمير في هذا الحديث جاء حكمٌ بتحريم أكلها، وإذن فإن ذبحها وذَكاتها - وهي حرامٌ أكلُها - لا يُحِلاَّنها ولا يجعلانها طاهرة، وإنما تأخذ حكم النجاسة لأنها تكون ميتة، وحكمهما في هذه الحالة البطلان. أي أن الذبح لِمُحرَّم الأكل لا يفيد شيئاً، بل يكون المذبوح نجساً لأنه ميتة، فذبح النمر يبقيه نجساً، وذبح النسر يبقيه نجساً، وهذا معلوم بالضرورة، فما جاء به الحديث إنما هو إبطال حكم الحِلِّ للحم الحمير والإعلان بالتحريم، وبذلك يسقط حكم الذبح والذكاة عما كان في قدروهم، ويصير المذبوح من الحمير ميتة والميتة نجسة، فجاء قول الرسول عليه الصلاة والسلام «فإنها رجس» فالقول إنها رجس هو بوصفها ميتة، لأن ما حُرِّم أكلُه لا يعطيه الذبح طهارة ولا يفيده حِلاَّ، بل يظل حراماً ويظل نجساً.

<<  <  ج: ص:  >  >>