هذا هو ما يُفهم من الحديث، فالاستشهاد بالحديث على نجاسة الحمير هو استشهاد باطل، فالحديث جاء في نجاسة الميتة، وألحق لحم الحمير الميتة بها، وهذا ينسحب على الشاة الميتة، وعلى الجمل الميت، وعلى الغزال الميت، فكلها وهي ميتة نجسة، وكلها وهي حية طاهرة. ولذا يسقط استشهادهم بهذا الحديث على دعواهم.
بقي الاستشهاد الأخير وهو قياسُهم السباع على الكلب وإعطاؤُها حكمَه، وزادوا على ذلك أنها - أي السباع - تأكل النجاسات ولا مُطهِّر لها، فتكون لذلك نجسة. وردُّنا عليهم أن القياس في العبادات لا يجوز إلا أنْ تكون العلة ظاهرة في النص، ولا علة ظاهرة هنا. وإن كان لا بد لهم من القياس هنا فإنه يتوجب أن يتوفَّر في طرفيه التماثل وإلا فلا قياس، فالكلاب نجاسة أسآرها مغلَّظة تجب إزالتها بغسل ما أُصيب بها سبع مرات مع التراب، وهذا مسلَّم به عندهم فلماذا لا يقولون بوجوب إزالة نجاسة أسآر السباع كالأسود والصقور والنمور بالغسل سبعاً مع التراب؟ إن الاختلاف بين الكلب وسائر السباع اختلاف ظاهر يلغي التماثل الذي هو شرط لصحة القياس، فالواجب عليهم أن يقولوا إن السباع كالكلب تأخذ سائر أحكامه في النجاسة، وحينئذ يكون للقياس وجه، أما إنْ هم اعترفوا بوجود اختلاف بينها وبين الكلب، فعندئذ يمتنع القياس.
أما قولهم إنها تأكل النجاسات ولا مُطهِّر لها فتكون نجسة، فنردُّ عليهم بأن الضِّباع تأكل النجاسات لأنها حيوانات مفترسة طعامها الجِيَف النجسة، وهي لا مُطهِّر لها أيضاً، فلماذا أحلَّ الله لنا أكلها، واعتُبرت من ثَمَّ طاهرة كالشياه والبقر والإبل؟ عن ابن أبي عمَّار قال «قلت لجابر: الضَّبُعُ أصيدٌ هي؟ قال: نعم، قلت: آكُلُها؟ قال: نعم، قلت: أقاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم» رواه الترمذي وأحمد والنَّسائي. قال الترمذي (هذا حديث حسن صحيح) . وبذلك تسقط حججهم، ولا يبقى لهم إلا شُبهتهم فحسب في الحديث الأول.