للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - أما أصحاب الرأي الثاني فقالوا بطهارة أسآر كل الحيوانات بما فيها الكلب والخنزير. ومن استعراض أدلتهم يتبين أن الدليل الثالث هو قولٌ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، أي أن الحديث موقوف، وأقوال الصحابة ليست أدلة وإنما هي أحكام شرعية يجوز تقليدها، هذا فضلاً عن أن إسناده منقطع، فيحيى لم يدرك عمر كما قال النووي. وقال يحيى ابن معين: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عمر باطل. لهذا فإنه لا يصلح للاستدلال فنطرحه ونطرح كذلك الحديث الثاني الذي رواه الشافعي والبيهقي لأنه ضعيف جداً. قال النووي (هذا الحديث ضعيف لأن الإبراهيمَين ضعيفان جداً عند أهل الحديث لا يُحتج بهما) .

أما الحديث الأول والحديث الرابع فيكادان يكونان حديثاً واحداً، إذ لفظ الرسول عليه الصلاة والسلام فيهما لفظ واحد، فنعاملهما معاملة حديث واحد. هذا الحديث وإن ضعَّفه بعضهم فقد حسَّنه البيهقي فيصح الاحتجاج به، وهو دليل على طهارة أسآر السباع، ودلالته واضحة، ومثله في وضوح الدلالة الحديث الخامس، فالهرة حيوان مفترس، وسبع من السباع آكلةِ الجيف، وكون الحديث يقرِّر طهارة سُؤرها، فذلك دليلٌ على طهارة أسآر السِّباع.

ثم ما لنا نبتعد كثيراً فنبحث عن دليلٍ على طهارة أسآر السباع، وكأن طهارة الأشياء بحاجة إلى دليل، فالشرع قد أعطى حكم الطهارة لكل شيء إلا ما استثناه، وأسآر الدواب والسباع هي أشياء داخلة في عموم الأشياء الطاهرة، فعلى من يقول إنها نجسة أن يأتينا بدليل، لا أن نُجهد أنفسنا في إثبات طهارتها والبحث عن الأدلة لذلك.

نخلص من كل ذلك إلى أن أسآر البهائم والسباع والدواب طاهرة، وباستثناء الكلب والخنزير يلتقي أصحاب هذا الرأي مع أصحاب الرأي الثالث في طهارة أسآر جميع الحيوانات. وإذن فإن المناقشة الآتية في حكم سُؤر كلٍّ من الكلب والخنزير ستتناول كلا الرأيين في وقت واحد:

<<  <  ج: ص:  >  >>