أما عن حقيقة قطع هؤلاء الثلاثة للصلاة، فقد اختلف الفقهاء في تحديد معنى القطع، فمنهم من فسَّر القطع بإبطال الصلاة ووجوب إعادتها عند مرور هؤلاء، ومنهم من فسَّر القطع بإلحاق النقص في الصلاة دون الإبطال وهم أصحاب الرأي الراجح. فاللغة العربية كما تفيد المعنى الأول فأنها تفيد المعنى الثاني أيضاً، فالله سبحانه يقول في سورة يوسف { ... فلمَّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ وقطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ... } الآية ٣١. فهنا لفظة (قطَّعن) لا تفيد البتر وإنما تفيد الجرح فحسب، فالقطع كما يفيد البتر {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فإنه يفيد إلحاق النقص أو الجَرْح {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} فلا بد من قرينة تحدِّد أياً من هذين المعنيين لقطع الصلاة بمرور هؤلاء الثلاثة. وقد وجدت حديثاً رواه يزيد بن نمران مرَّ في بحث [دفع المار عند اتخاذ السترة] يشكِّل القرينة على أن القطع هنا يعني النقص فحسب ولا يعني الإبطال، وهو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - «قطع علينا صلاتنا قطع الله أثره» . ففي هذا الحديث لم يُتْبع الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا القول الأمرَ منه لأصحابه بإعادة الصلاة المقطوعة، وإنما سكت الحديث عن الأمر مما يدل على أن القطع لا يتعدى النقص، وإلا لصدر الأمر النبوي بالإعادة، فلما لم يصدر الأمر بالإعادة دل على أن المعنى المراد من القطع هو النقص فحسب، فهذا الحديث يصلح قرينة تصرف القطع عن معنى البتر إلى معنى النقص، ولا يصرفنا عن هذا الفهم ما رواه ابن حبان من طريق ابن خزيمة عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «تعاد الصلاة من مَمَرِّ الحمار والمرأة والكلب الأسود، قلت: ما بال الأسود من الأصفر من الأحمر؟ فقال: فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سألتني فقال: الكلب الأسود شيطان» . فقد جاء في الحديث لفظة (تعاد الصلاة) مما يعني الإبطال والبتر، وينفي بالتالي معنى النقص فحسب.