للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث يطلب من المسلمين أن يَرْحَضوا القُدور التي طُبخ فيها لحم الخنزير بالماء، والرَّحض معناه الغسل، ويطلب الحديث منهم أن يُنقوها غسلاً، أي يبالغوا في غسلها كما جاء في روايةٍ للترمذي، ولا يكون طلب الغسل والمبالغة فيه إلا لأنها نجسة، وليس أدلَّ على ذلك من أن الرواية الثالثة للدارقطني جاء فيها «فارحضوها بالماء فإن الماء طُهورها» ولا يقال طهَّرتُ الإناء أو طهَّرتُ الثوب أو طهَّرتُ النعل إلا إذا عنيت إزالة النجاسة منها. وأما الآية الكريمة فإنها وصفت لحم الخنزير بأنه رجس، ولفظة رِجس في العربية تعني القذر والنتن، هذا هو أصل معناها، إلا أن العرب توسَّعوا في استعمالها حتى صارت لفظةً محتمِلةً لمعانٍ عدة، فصارت تطلق على الإثم وتطلق على النجاسة وتطلق على السُّخط والغضب وتطلق على معانٍ أخرى، حتى صار ذكرها لا يؤدي معنى محدداً إلا بقرينة تعيِّنه وتنفي غيره، فمثلاً قوله سبحانه وتعالى {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وغَضَبٌ} رجس هنا بمعنى سخط، وقوله سبحانه وتعالى {إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُم الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيَراً} لفظةُ (رجس) هنا تعني الإثم والمعصية.

أما الآية الكريمة التي نحن بصددها فتُفَسَّر لفظةُ (رجس) الواردة فيها بأنها نجس، أما لماذا؟ فلأن المعلوم أن الحديث يفسر القرآن ويبيِّنه، وهنا جاء الحديث مفسِّراً للفظة رجس الواردة في الآية بأنها تعني النجس بمنطوقه وبمفهومه، فقول الحديث «فإن الماء طهورها» هو منطوق، وكون الحديث يأمر بالمبالغة في غسل القدور التي تحتوي على لحم الخنزير هو مفهوم، ذلك أن المبالغة في الغسل هي قرينة على أن لحم الخنزير نجس، وإذن فقد تضافر المنطوق والمفهوم على اعتبار لحم الخنزير نجساً، وعلى تفسير الآية بأنها تعني نجاسة لحم الخنزير.

<<  <  ج: ص:  >  >>