ثالثاً: أمَّا وقد ثبت أن لحم الخنزير نجس، سواء منه ما كان بعد الموت أو قبله، فإن ذلك يدل على نجاسة الخنزير كله، لأن شعر الخنزير وعظمه وسائر أجزائه مختلطة كلها باللحم فلا تُتصور طهارتُها مع نجاسة اللحم، فنجاسة اللحم تنسحب حتماً على كل أجزاء الخنزير فيكون الخنزير كله نجساً. أما لماذا ذُكِر لحمُ الخنزير في الآية ولم يُذكر الخنزير؟ فلأن الآية تحدثت عن المطعومات المحرَّمة، والمعلوم أن المطعوم في الخنزير هو لحمه فذُكِرَ اللحمُ ليتناسب مع سياق الآية، وذُكِرت نجاسة الخنزير كله زيادة في المعنى. وإذن وقد بان أن الخنزير نجس فإنا نقول إن لحمه وشعره وعظمه وكل جزء فيه نجس، وهذا يستلزم اعتبار سُؤره نجساً أيضاً، وبذلك يسقط رأيهم بطهارة سُؤر الخنزير.
وفي ختام البحث أُلفت النظر إلى أنني لم استدلَّ على نجاسة الخنزير بما استدل به العديد من الفقهاء من قياس الخنزير على الكلب، ذلك أن هذا القياس خطأ، لأن لفظة (الكلب) لا تشمل الخنزير، ولأنه لا عِلَّةَ ظاهرةً لنجاسة الكلب فيقاس عليها، فقياس الخنزير على الكلب قياس دون علَّة ظاهرة مشتركة، ودون أن تتوفر فيه شرائط القياس الصحيحة.
أما الاستثناءات الواردة في رأي الفريق الثاني من قِبَل الزُّهري وابن الماجَشُون في سُؤر الكلب فتسقط هي الأخرى بعدما تبين بوضوح نجاسة سُؤر الكلب.
وأما الاستثناءات الواردة في رأي الفريق الثالث من قِبَل أحمد في سُؤر البغل والحمار، وابن عمر - فيما رُوي عنه - في سُؤر الحمار فقط، وابن أبي ليلى في كراهة سُؤر الهرة، وابن المنذر والحسن وطاووس في تحريم ونجاسة سُؤر الهرة فتسقط كلها، لأن طهارة سُؤر البغال والحمير تدخل في طهارة أسآر عموم الدواب. وكما أسلفنا من قبل فإن الطهارة لا تحتاج إلى دليل خاص، وطهارة سُؤر الهرة ورد فيه نص خاص بطهارته، هو حديث كبشة الصحيح الذي رواه أصحاب السنن، وقد مرَّ، إضافة إلى دخوله في طهارة أسآر عموم السباع.