فقول سعد بن أبي وقاص لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما «أمُدُّ في الأُوليين وأَحْذف في الأُخريين» يؤكد هذه السنة النبوية، وهي القراءة في الركعتين الأوليين فحسب. ولكن تجوز القراءة في الركعتين الأخريين، والدليل على ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأُوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأُخريين قدر خمس عشرة آية، أو قال نصف ذلك، وفي العصر في الركعتين الأُوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية، وفي الأُخريين قدر نصف ذلك» رواه مسلم. فهذا نص واضح الدلالة على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قرأ في الركعتين الأُخريين في صلاتي الظهر والعصر ما تيسر له من القرآن، قرأ في العصر على النصف مما قرأ في الظهر، وهذا عندي منه عليه الصلاة والسلام إنما هو لأجل بيان الجواز، شأنه في ذلك شأن اقتصاره في إحدى صلواته على قراءة الفاتحة لبيان الجواز، فقد روى ابن عباس رضي الله عنه «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء فصلَّى ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بأم الكتاب» رواه أحمد. وقد فهم الصحابة حكم الجواز هذا، يدل عليه ما رُوي عن أبي عبد الله الصُّنابحِي أنه قال «قدمْتُ المدينة في خلافة أبي بكر الصِّدِّيق، فصليت وراءه المغرب، فقرأ في الركعتين الأُوليين بأم القرآن وسورة، وسورة من قصار المُفَصَّل، ثم قام في الثالثة، فدنوت منه حتى إنَّ ثيابي لتكادُ أن تمسَّ ثيابه، فسمعته قرأ بأم القرآن وبهذه الآية {ربَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا وهَبْ لنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ} » رواه مالك. وروى نافع «أن عبد الله بن عمر كان إذا صلَّى وحده يقرأ في الأربعة جميعاً في كل ركعة بأم القرآن وسورة من القرآن ... » رواه مالك.