فلْيُطِل المسلم المكث ما استطاع، إلا أنْ تدعوه حاجةٌ للانصراف، أو كان إماماً للجماعة فينصرف دون طول مكث لا سيما إنْ كان إمامُ الجماعةِ خليفةً المسلمين أو والياً جرت العادة أن لا ينصرف الناس قبل انصرافه، فيعجِّل في الانصراف حتى لا يشق على الناس. وقد كان المسلمون في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينصرفون قبل أن يروه ينصرف احتراماً وتوقيراً، ومثله الخلفاء الراشدون، لهذا كان عليه الصلاة والسلام ربما عجَّل الانصراف لأجل ذلك، وكذلك كان يفعل خلفاؤه، فقد روت أم سلمة رضي الله عنها «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سلَّم يمكث في مكانه يسيراً» رواه البخاري وأحمد. وعن أنس رضي الله عنه قال «صليت وراء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان ساعةَ يُسلِّم يقوم، ثم صليت وراء أبي بكر فكان إذا سلم وثب، فكأنما يقوم عن رضفة» رواه عبد الرزاق. قوله يقوم عن رضفة: أي يقوم مسرعاً كأَنَّه كان جالساً على شئ محمَّى بالنار. ويمكن للإمام في هذه الحالة أن ينصرف من مكانه من أجل أن ينصرف الناس، ثم يعود إلى الجلوس ثانية.
ويُندبُ للمُصلي أن لا يغادر مُصلاهُ قبل أن يمكث فترة تكفيه ليقول فيها (استغفر الله) ثلاثاً، و (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركتَ يا ذا الجلال والإكرام) لما روى ثوبان رضي الله عنه قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام ... » رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة. ورواه احمد وابن خُزَيمة والنَّسائي بلفظ «يا ذا الجلال والإكرام» . بزيادة [يا] . وكذا رواه الترمذي، إلا أنه أسقط [اللهم] من أوله. وعن عائشة رضي الله عنها قالت «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يقعد بعد التسليم إلا قدر ما يقول: اللهم أنت السلام ... » رواه ابن حِبَّان.