للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"المبتدأ" كذَّبه عليُّ بنُ المدينيِّ، وقال الدارقطنيُّ: كذَّابٌ متروك. وقال ابن حبَّان: لا يحلُّ كَتْبُ حديثه إلا على جهةِ التعجُّب (١).

كما أن قولَ فرعون: قتلتَ خمسةً وعشرين ألفًا، ظاهر أنه مبنيٌّ على الخبر السابق وتابعٌ له، والسابق رواه ابن عساكر من طريق إسحاق عن إدريس عن وهب، ولعله مكذوب على وهب أيضًا، فإسحاقُ هو ابنُ بشرٍ، وقد ذكرنا حاله، وإدريسُ هو ابنُ سنانٍ سبطُ وهبِ بن منبِّه، قال عنه الدارقطني: متروك (٢).

ثم كيف يُتصوَّر أن يدعوَ موسى فرعونَ إلى الإيمان باللَّه على أساسِ تلك المرغِّبات التي يخالفُ بعضُها سنةَ اللَّه في عباده، فمَن ذا الذي يعطَى الشبابَ بلا هرَم، والصحةَ بلا سقم؟! وأيُّ إيمان هذا الذي يُبْنى على زهرةِ الحياة الدنيا التي هي فتنةٌ للكفار وليست طريقًا للإيمان باللَّه سبحانه؟ كما قال: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه: ١٣١]، فأيُّ ميزةٍ لفرعون حتى يكونَ ما جُعل فتنةً لغيرِه سبيلًا له إلى الإيمان؟ علمًا أن هذا التمتيعَ الذي في الآيةِ هو أقلُّ بكثيرٍ مما وعَد به موسى فرعونَ في هذا الخبر.

وإنما قلتُ: إن واضعَها كذابٌ خبيث؛ لأنه ضمَّن الخبر آيةً من القرآن لإيهام رفعِها، وقد تقدَّم بيان ذلك، ومن الأمثلةِ عليه أيضًا ما ذكره المؤلفُ في الآية نفسها عن قتادةَ، حيث قال:

وقال قتادةُ: لمَّا أخذ موسى الألواحَ قال: يا ربّ، إنِّي أجدُ في التوراة -أي: الألواح- أمَّةً هي خيرُ الأمم، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر،


(١) انظر: "ميزان الاعتدال" (١/ ١٩٢).
(٢) انظر: "ميزان الاعتدال" (١/ ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>