للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإلحاح، وكان يُتوهَّم أنَّهم كانوا يَسألون عند الحاجة بقَدْر الحاجة ولا يُلحُّون، لكن عُرف بقوله: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} أنَّهم ما كانوا يَسألون الناس أصلًا، ولهذا قال ابنُ عباس رضي اللَّه تعالى عنهما في تفسيره: لا يسألون الناس إلحافًا ولا غيرَ إلحاف (١).

وإنَّما استفاد هذه الزيادة بما قلنا، ولعلَّ تركَ غير الإلحاف ذكرًا في الآية؛ لفائدةِ إطلاق السؤال لغيرهم عند الحاجة، ورفعِ الإثم عمَّن (٢) فعله مضطرًّا.

وقال الزجَّاج: معناه: لا يَسألون الناسَ أصلًا، فيكونَ إلحافًا، واستَشهد بقولِ امرئِ القيس في المعنى (٣):

على لاحبٍ لا يُهتدى بمنارِهِ (٤)

أي: لا منارَ به فيُهتدَى له (٥).

وقوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} هذا شرطٌ وجزاءٌ


(١) انظر: "تفسير أبي الليث" (١/ ٢٠٦).
(٢) في (ف): "عن".
(٣) "في المعنى" سقط من (أ) و (ف).
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (١/ ٣٥٧)، والبيت في "ديوان امرئ القيس" (ص: ٩٦)، وعجزه:
إذا سافَهُ العَوْدُ النّبَاطيُّ جَرْجَرَا
المعنى: ليس به منار فيُهتدَى به، وكذلك ليس من هؤلاء سؤالٌ فيقعَ فيه إلحافٌ. اللاحب: الطريق المنقاد الذي لا يَنْقَطِع، سافه: شمّه، النباطي: الضخم، جرجر: ضغا خوفًا من بُعده، والعود: الجمل المسن، وإنما جعله عودًا لأنه أعلم بالطريق.
(٥) في (ر) و (ف): "لا منار له فيهتدى".