للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال في قوله تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}: حكَم الحقُّ سبحانه بمساكنةِ الخَلْق مع الخَلْقِ لبقاء النسل، ولردِّ المِثْلِ إلى المِثْل، ولرَبْط الشَّكْل بالشَّكْل (١).

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: في كلِّ ما كان الخطابُ للكفرة ذكر على أثره حُججَ وحدانيته ودلائلَ ربوبيته؛ لأنَّهم لم يَعرفوا ربهم، مِن نحو (٢) ما ذكر: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: ٢١]، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: ١]، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [فاطر: ٥]، ذكر الحجج التي يُتوصَّل بها إلى معرفته، وفي كلِّ ما كان الخطاب للمؤمنين لم يذكر هذه الحجج؛ لأنَّهم قد عرَفوا ربهم، ولكن ذكَر نعمه التي أنعمها عليهم، وثوابَه الذي وعده لهم، نحو قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: ١٠٢] الآيات، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: ٧٠] الآيات (٣)، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} الآية [الحديد: ٢٨]، على هذا يخرج الخطاب في الأغلب (٤).

وقوله تعالى: {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}: وهو (٥) آدم صلوات اللَّه عليه، وأنث الواحدة لأن النفْس مؤنَّثةٌ سماعًا، ولو ذكَّر جاز ذهابًا به إلى تذكير آدم عليه السلام، وقد قال الشاعر:

أبوك خليفةٌ ولدَتْه أخرى... وأنت خليفةٌ ذاك الكمال (٦)


(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٣١٢)، وفيه: (فربط الشكل. .).
(٢) في (أ): "حيث".
(٣) في (أ): "الآية".
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٣/ ٣).
(٥) في (ف) و (أ): "هي".
(٦) البيت دون نسبة في "معاني القرآن" للفراء (١/ ٢٠٨)، و"الزاهر" لابن الأنباري (٢/ ٢٣٠)، =