للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل لابن المبارك: ولم ذاك؟ قال: لأَنَّه يَنبحُ على الضَّيفِ، ويُروِّعُ السَّائِل (١).

ودلَّتِ الآيةُ على فضلِ العلم؛ فإن الكلبَ الخسيس بالتعلم جلَّ قدرُه، وحلَّ صيدُه، وفيه عِظَةٌ، وهو أنَّه بتركِ علمِه والأكلِ من صيدِه يُحكَمُ بجهلِه وزوالِ علمه، فلا يَحِلُّ صيدُه، فكذا مَن علم من النَّاس، فخالفَ عِلْمَهُ، وقد سمَّى اللَّهُ تعالى مخالفَ علمِهِ جاهلًا، قال تعالى خبرًا عن يوسف عليه السلام: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف: ٣٣]، وقال: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} [يوسف: ٨٩].

وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: لمَّا كان الكلبُ المعلَّمُ تركَ حظَّهُ، وأمسكَ ما اصطادَهُ على صاحبِهِ، حلَّت فريستُه، وجازَ اقتناؤهُ، وسقطَتْ نجاستُه وخساستُه؛ كذلك مَن كانت أعمالُه وأحوالُه للَّه تعالى محضةً، ولا يشوبُها حظُّ نفسِه، تَجِلُّ رتبتُه، وتَعلو حالتُه.

قال: ويُقال: حسنُ الأدب يُلْحِقُ الأخِسَّةَ برتبةِ الأكابر، وسوءُ الأدبِ يَردُّ الأعزَّةَ إلى حالةِ الأصاغر (٢).

* * *

(٥) - {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.


= (٥٧) من حديث أبي هريرة.
(١) انظر: "تفسير الثعلبي" (٤/ ١٩).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٠٣).