للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: أي: ليَظهرَ مِنهم ما علمَ اللَّهُ منهم، وقد علمَ اللَّهُ مِنهم (١) أنَّه إذا جعلهم أكابرَ أنَّهم يَمكرون؛ (٢) أي: يَقصدون إهلاكَ الأنبياءِ في خُفية.

والمعتزلة يقولون هذه لامُ العاقبة، وما جعلَهُم اللَّهُ أكابرَ ليمكروا، لكن وجدَ مِنهم في العاقبة كذلك، وهو قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨]، وهم ما التقطوهُ لذلك، لكن صار كذلك.

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: لا يخلو هذا؛ إمَّا أن يقال: إنَّه خلقَهم لغيرِ المكرِ والضَّلال، وهو يَعلمُ أنَّهم لا يَكونون لما يخلقُهم، وذلك ليس فعلَ حكيم؛ أنْ يَعملَ عملًا يَعلمُ أنَّه لا يكون، أو يقال: خلقَهم لذلك، وهو لا يَعلم أنَّهم يكونون كذلك، وهو جهلٌ بالعواقب، واللَّهُ تعالى يَتعالى عن ذلك، والحقُّ أنَّه خلقَهم ليكونوا على ما علمَ أنَّهم يكونون كذلك، ويختارون ذلك (٣).

وقوله تعالى: {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ}؛ أي: وما يَرجِعُ ضررُ ذلك إلَّا عليهم، {وَمَا يَشْعُرُونَ}؛ أي: وما يَعلمون أنَّه واقعٌ بهم، قال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: ٤٣]، وقال: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا} [النمل: ٥٠].

* * *

(١٢٤) - {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ}.


(١) قوله: "وقد علم اللَّه منهم" من (ر).
(٢) بعدها في (ف): "وهو قوله تعالى ليمكروا فيها".
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ٢٥١).