للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أبطلَ الاستدلالَ بأوَّل هذه الآية، ولا عِيان أيضًا؛ فإنَّهم لم يقولوا: شِهدنا اللَّهَ أمرَ به، ولا خبرَ لهم مِن صادقٍ؛ فإنَّهم لا يَقولون بالرُّسل، فثبتَ أنَّه لا علمَ لهم أصلًا في هذا، فلم يبقَ إلا الافتراء، وهو ظلم، وذلك قولُه تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

وروي أنَّ مالك بن عوف النَّصريّ الجُشَميّ، وكنيتُه: أبو الأحوص (١) جاء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال: يا محمَّدُ، بلغَنا أنَّك لا تُحرِّمُ ما كان آباؤنا يُحرِّمونَه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنَّ اللَّه تعالى خلقَ ثمانيةَ أزواجٍ، وساق الكلامَ إلى آخر الآيتين، فتحيَّر مالكٌ، وعرفَ أنَّه محجوجٌ، فقال: كذلك فعل آباؤنا.

وفي روايةٍ قال: إنَّ معي جماعةً مِن قومي، فآتيهم فأخبرهم، فأتى قومَه، فقالوا له: كيف رأيته؟ فقال: رأيتُه رجلًا معلَّمًا.

* * *

(١٤٥) - {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

وفي روايةٍ قال: يا محمَّد، فما هذه التي حرَّمَها آباؤنا مِن البحيرة والسَّائبةِ والوصيلة والحامي، فنزل قولُه تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ


(١) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ١٩٧)، وليس فيه: "النصري"، وكأنه اختلط رجلان؛ الأول مالك بن عوف النصري رئيس المشركين يوم حنين، وكنيته أبو علي، والثاني مالك بن عوف الجشمي، ويروي عنه أبو الأحوص، واسم أبي الأحوص: عوف بن مالك بن نضلة. انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (٦/ ٢٠٩)، و"معجم الصحابة" للبغوي (٥/ ٢٠٤)، و"الإصابة" لابن حجر (٩/ ٦٤، ٦٥ - ٦٦).