أبطلَ الاستدلالَ بأوَّل هذه الآية، ولا عِيان أيضًا؛ فإنَّهم لم يقولوا: شِهدنا اللَّهَ أمرَ به، ولا خبرَ لهم مِن صادقٍ؛ فإنَّهم لا يَقولون بالرُّسل، فثبتَ أنَّه لا علمَ لهم أصلًا في هذا، فلم يبقَ إلا الافتراء، وهو ظلم، وذلك قولُه تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
وروي أنَّ مالك بن عوف النَّصريّ الجُشَميّ، وكنيتُه: أبو الأحوص (١) جاء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال: يا محمَّدُ، بلغَنا أنَّك لا تُحرِّمُ ما كان آباؤنا يُحرِّمونَه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنَّ اللَّه تعالى خلقَ ثمانيةَ أزواجٍ، وساق الكلامَ إلى آخر الآيتين، فتحيَّر مالكٌ، وعرفَ أنَّه محجوجٌ، فقال: كذلك فعل آباؤنا.
وفي روايةٍ قال: إنَّ معي جماعةً مِن قومي، فآتيهم فأخبرهم، فأتى قومَه، فقالوا له: كيف رأيته؟ فقال: رأيتُه رجلًا معلَّمًا.
وفي روايةٍ قال: يا محمَّد، فما هذه التي حرَّمَها آباؤنا مِن البحيرة والسَّائبةِ والوصيلة والحامي، فنزل قولُه تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ
(١) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ١٩٧)، وليس فيه: "النصري"، وكأنه اختلط رجلان؛ الأول مالك بن عوف النصري رئيس المشركين يوم حنين، وكنيته أبو علي، والثاني مالك بن عوف الجشمي، ويروي عنه أبو الأحوص، واسم أبي الأحوص: عوف بن مالك بن نضلة. انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (٦/ ٢٠٩)، و"معجم الصحابة" للبغوي (٥/ ٢٠٤)، و"الإصابة" لابن حجر (٩/ ٦٤، ٦٥ - ٦٦).