للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بما فيها من أوامره ونواهيه، وقال لهم تقديرًا: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} أنت ربُّنا، بما ظهر عليهم من آثار الصنعة، وهو كما يُتأول عليه قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤] وقولُه تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: ١] على معنى: أنه ما من شيء إلا وهو بما عليه من آثار الصنعة ينزِّه اللَّه تعالى عن الأضداد والأنداد، فأقيمت شهادة الآثار مقامَ شهادة النطق؛ كما قال تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} [الجاثية: ٢٩]، وقال تعالى: فجعَل لِمَا لا لسان له نطقًا وكلامًا، وهكذا جعل ما يُوجد كلُّ إنسان عليه في نفسه مِن تعاقُب الأحوال كالشهادة منه على نفسه، وما أجراه اللَّه تعالى عليه من ذلك كالتقرير له به، وكأنه قال لهم بما أجراه عليهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} وكأنهم قالوا بلسان أحوالهم: {بَلَى شَهِدْنَا} وتمَّ الكلام هاهنا، ثم قال: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} عن أنَّ لنا ربًا وصانعًا إذا حُوسبتم يوم القيامة على التوحيد.

وعامةُ المفسرين وجمهورُ الصحابة والتابعين على إخراج ذريةِ آدمَ من ظهره وأخذِه الميثاقَ عليهم في عصره.

وقد رُوي عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول -وقد سئل (١) عن هذه الآية فقال-: "خلَق اللَّه تعالى آدمَ ثم مسحَ ظهرَه فاستخرج منه (٢) ذرِّيته فقال: خلقتُ هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذريته فقال: خلقتُ هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون"، فقال رجل: يا رسول اللَّه! ففيم العملُ؟ فقال: "إن اللَّه تعالى إذا خلق الرجل للجنة استعمله بعملِ أهل الجنة حتى يموت على عملٍ من أعمال أهل الجنة فيُدخلَه الجنة، وإذا خلق العبدَ للنار استعمله


(١) في (أ): "سئل"، وفي (ف): "يسأل"، بدل: "يقول وقد سئل".
(٢) "منه": ليست في (أ) و (ف).