للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال مقاتل: كان من مدينةِ بلقاءَ، وسميت بلقاءَ لأن رجلًا ملَكها يقال له: بالقٌ (١).

وكان من قصته: أن موسى عليه السلام أراد أن يغزوَ ملكًا، فقال الملِك لبلعم: إن موسى رجلٌ حديدٌ، ومعه جندٌ كثير، فإن ظهر علينا أهلكَنا، فادْعُ اللَّه تعالى أن يردَّه عنا، فقال: إن فعلتُ ذلك ذهبتْ دنياي وآخرتي، فلم يزالوا به حتى دعا عليهم، قالوا: فوقع موسى وبنو إسرائيل في التِّيه بدعائه، فلما انقضت المحنة قال موسى: يا رب! بأيِّ ذنب وقعتْ لنا هذه المحنة؟ قال: بدعاء بلعم، قال: فكما سمعتَ دعاءه عليَّ فاسمع دعائي عليه، فدعا موسى عليه فسلخه اللَّه مما كان عليه، ونزع منه معرفته فخرجت من صدره كحمامة بيضاء، وذلك قوله {فَانْسَلَخَ مِنْهَا} (٢).

وهذا كلامٌ مختلٌّ، واحتباسهم في التِّيه كان بقولهم: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: ٢٤] لا بدعاء بلعم، وكيف يُستجاب دعاءُ بلعم وقد انسلخ من الآيات، ولأنه قد دعا على موسى وقومه بالباطل، وكيف دعا موسى على بلعم بزوال الإيمان وكان مبعوثًا إلى الناس ليدعوَهم إلى الإيمان (٣).

وقال مقاتل: قال له ملك بلقاءَ: ادع اللَّه على موسى، فقال: إنه من أهل ديني لا أدعو عليه، فنَصب خشبةً ليَصلبه، فلما رأى ذلك خرج على أتانٍ له ليدعوَ عليه،


(١) انظر: "تفسير مقاتل" (٢/ ٧٤)، و"تفسير الثعلبي" (٤/ ٣٠٤).
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" (٤/ ٣٠٦) عن مقاتل، وسياقه في "تفسير مقاتل" مختلف وسيأتي.
(٣) وقد رواه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٥٧٥)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٥/ ١٦١٦) عن ابن عباس بسند جيد وسياق لا إشكال فيه، ولفظه: هو رجل من مدينةِ الجَبَّارِين يقال له: بَلْعَمُ، وكان يَعْلَمُ اسمَ اللَّه الأكبر، فلمَّا نَزَل بهم موسى أتاه بنو عمِّه وقومُه، فقالوا: إن موسى رجلٌ حديد، ومعه جنود كثيرة، وإنه إنْ يظهر علينا يهلكنا، فادع اللَّه أن يردَّ عنَّا موسى ومن معه. قال: إني إنْ دعوت اللَّه أن يردَّ موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي! فلم يزالوا به حتى دعا عليهم، فسلخه اللَّه مما كان عليه، فذلك قوله: {فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}.