للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان انسلاخُه عنها بسبب طاعته امرأتَه في الميل إلى الدنيا، وأخذِ الحطام من أهل الزمان، ولا شيء أضرُّ بالعالم من الطمع؛ قال تعالى: {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [التوبة: ٣٤]، وقال تعالى: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى} [الأعراف: ١٦٩] وقال الأنبياء: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الشعراء: ١٠٩].

وقوله: {كَمَثَلِ الْكَلْبِ} لم يسوِّه بالكلب، بل جعَل مَثَلَه كمَثَلِ الكلب في المعنى الذي ذُكر، ولا مساواة بينهما، بل كلبٌ واحدٌ خيرٌ من ألفٍ أو (١) أكثرَ من بلعم، فإن الكلب عارفٌ باللَّه موحِّدٌ للَّهِ لا يعاقَب بالنار، وبلعم كافرٌ باللَّه خالدٌ في عقوبة اللَّه تعالى.

وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قيل: إنما ضَرب المثَلَ بالكلب لأن من عادة الكلب أنه (٢) يَذلُّ ويَخضع لكلِّ أحد؛ لِمَا يطمع أن ينال منه أدنَى شيءٍ، ولا يبالي ما يصيبه من الذلِّ والهوان، وكذا المكذِّب بالآيات لا يبالي بما يَلحقه من الذلِّ بعد أن يصيب من الدنيا شيئًا.

ويُشْبِهُ أن يكون وجهُ ضربِ هذا المثل: أن مِن عادة الكلب أنه إذا ظَفر بالجيَف ينكبُّ لها (٣)، حتى إذا دُعي إلى غيرها لم يلتفت، فكذا الكافر (٤).

وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: إن الحق سبحانه وتعالى قد يُظهر الأعداء في لباس الخلَّة ثم يردُّهم إلى سابق القِسمة، ويُبرز الأولياءَ بنعت الخلاف والذِّلَّة ثم تغلب عليهم مقسومات الوُصلة.


(١) في (أ) و (ف): "و".
(٢) في (ف): "أن".
(٣) في (ف): "عليها".
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٩٢).