للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أمَا رضيتُم أن يَتنبَّأ رجالكم حتى تتنبَّأ نساؤكم؟ زعمتْ عاتكةُ أنها رأت في المنام كذا، فسنتربَّص بكم ثلاثًا، فإن يكُ ما قالت حقًّا فسيكون، وإن مضت الثلاث ولم يكن نكتُب عليكم كتابًا أنكم أكذبُ أهلِ بيتٍ في العرب، فقال العباس (١): يا مصفِّر استِهِ، أنت أولى باللوم والكذب منَّا.

فقال العباس: فغدوتُ في اليوم الثالث وأنا حديدٌ مغضَبٌ أرى أنْ قد فاتني منه أمرٌ أحبُّ أن أدركه، فواللَّه إني لأمشي نحوه وكان رجلًا حديدَ الوجه حديدَ اللسان حديدَ النظر، إذ خرج نحو باب بني سهم يشتدُّ، فقلتُ: ما له لعنه اللَّه؟ أكلُّ هذا فرقًا من أنْ أشاتمَه، فإذا هو قد سمع صوت ضمضمٍ وهو يقول: يا معشر (٢) قريش، العير قد عَرَض لها محمدٌ في أصحابه، الغوثَ الغوثَ، وتجهَّزت قريشٌ فأخرجت أسلحتَها، وأعان قويُّهم ضعيفَهم وخرجوا (٣).

وأقبل أبو سفيان بالعِير، وخافوا خوفًا شديدًا حين دنَوا من المدينة، واستبطؤوا ضمضمًا والنفير، فلمَّا كانت الليلةُ التي يصبحون فيها على ماء بدرٍ غشيَتْهم تلك الليلةَ ظلمةٌ، وكان اللذان بعثهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لتجسُّس الخبر نزلا بدرًا وسمعا جاريتين تقول إحداهما لصاحبتها: إنما العيرُ غدأً أو بعد غد، فرجعا وأصبح أبو سفيان ببدرٍ، فرأى أبعارًا ففتَّها فإذا فيها نوًى، فقال: واللَّه هذه علائفُ يثرب، هذه عيون محمد وأصحابِه ما أُراهم إلا قريبًا، فعدَل عيرَه وسار بهم إلى مكة من طريق الساحل، وترك بدرًا يسارًا وانطلق سريعًا (٤).


(١) "العباس": من (ف).
(٢) في (ف): "معاشر".
(٣) انظر: "مغازي الواقدي" (١/ ٢٩ - ٣٢)، و"السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٠٧ - ٦١٠)، و"المعجم الكبير" (٢٤/ ٣٤٦ - ٣٤٧).
(٤) انظر: "مغازي الواقدي" (١/ ٣٩ - ٤١).