للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

له: "ما حملك على ما صنعتَ؟ " فقال: حضر مِن أمر اللَّه ما ترى، فخشيتُ القتل، فأردتُ أن يكون آخرَ عهدي بك أن أعتنِقَكَ.

وقال عليٌّ رضي اللَّه عنه: وجاءت ريحٌ لم أَرَ مثلها قطُّ شدَّةً، ثم ذهبتْ فجاءت مثلُها أخرى، ثم ثالثةٌ، فكانت الأولى جبريلَ في ألفٍ من الملائكة فكانوا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والثانيةُ ميكائيلَ في ألفٍ فكانوا في ميمنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر، والثالثةُ إسرافيلَ في ألفٍ ونزل على ميسرةِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنا في الميسرة (١)، ولمَّا هزم اللَّه أعداءه جعلني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على فرسه، فخرَّت بي فلما خرَّت (٢) خررْتُ على عنقها، فدعوت ربي فأمسكني حتى استويتُ، وما لي وللخيل؟! إنما كنتُ صاحب غنم، فلما استويتُ طعنتُ بيدي هذه حتى اختضب مني إبطي.

وخطب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فحمِدَ اللَّه وأثنى عليه وقال: "أمَّا بعدُ، فإنِّي أحثُّكم على ما حثَّكم اللَّه عليه، وأنهاكم عما نهاكم اللَّه عنه، فإن اللَّه عظيمٌ شأنُه، يأمر بالحق ويحب الصدق، ويعطي على الخير أهلَه على منازلهم عنده، به يُذْكرون وبه يَتفاضلون، هانكم قد أصبحتُم بمنزلٍ من منازل الحق، لا يَقبل اللَّه فيه من أحد إلا ما ابتَغَى به وجهَه، وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرِّج اللَّه به الهمَّ، ويُنجي به من الغمّ، به تدرِكون النجاة في الآخرة، فيكم نبيٌّ اللَّه يحذِّركم ويأمركم، فاستَحْيُوا اليومَ أن يطَّلع اللَّه على شيء من أمركم يمقتكم عليه، فإن اللَّه يقول: {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [غافر: ١٠]، انظروا إلى الذي أمركم به في كتابه، وأراكم في آياته، وأعزَّكم بعد ذلةٍ، فاستمسِكوا به يرضى به ربُّكم عنكم، وأَبْلوا ربَّكُم في هذه المواطن أمرًا تستوجِبون به الذي وعَدكم من رحمته ومغفرته، فإن وَعْدَهُ حقٌّ وقولَه


(١) في (ف): "وكانوا في ميسرته" بدل: "ونزل على ميسرة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا في الميسرة".
(٢) في مطبوع "المغازي": (فجمزت بي فلما جمزت)، وفي بعض نسخه: (فجرت بي فلما جرت).